بما تعده في حق الله ورعاية المسلمين (١) .. ».
وهذا إن دل على شيء ، فإنما يدل على مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى المأمون ، وأنه يريد تطويق هذا الموضوع من جميع جهاته ، وإن استلزم ذلك كل تلك الامور ؛ وإلا .. فما هو الداعي لأن يكتب له العهد بخط يده!!! ثم أن يتقدم إليه بنفسه!!! .. ثم ما الداعي لأن يطلب من الإمام ذلك!!!.
هذا .. ولا بأس أيضا بملاحظة تعبير المأمون بـ « قبول »!!!. ثم ملاحظة أنه طلب منه أن يكتب هذا القبول بـ « خط يده »!!!. ثم طلب منه أن يشهد الله والحاضرين على نفسه!!!.
وعلى كل حال .. فلا شك أن المحاورات السياسية تعتبر من الصنائع المستظرفة ؛ وذلك لما تتضمنه من تعريضات وكنايات ، حسبما تفرضه الاتجاهات السياسية ، التي يلتزم بها المتحاورون ..
ولذا .. نلاحظ أنه (ع) .. وإن كان يضمن كلامه الشكر للمأمون ، بل ويكتب تحت اسمه ـ حسب رواية الاربلي فقط ـ : بل جعلت فداك .. ولكن يبطن كلامه ، ويضمنه تعريضات عميقة ؛ بلهجة معتدلة ، لا عنف فيها ، وذلك يعني : أن الإمام (ع) لم يتنازل عن مبدئه ، ولا حاد عن نهجه ، الذي اختطه لنفسه ، بوحي من رسالة الله ، وتعاليم محمد (ص) ، وخطى جده علي (ع) .. لم يحد عنه قيد شعرة ، ولا هادن فيه ، ولا حابى أحدا ، حتى في هذا الموقف ..
__________________
(١) مآثر الانافة ج ٢ ص ٣٣٢.