فنلاحظ : أننا حتى بعد مرور اثني عشر قرنا على هذه الواقعة ، لا نملك أنفسنا ونحن نقرأ وقائعها ، من الانفعال والتأثر بها ؛ فكيف إذن كانت حال أولئك الذين قدر لهم أن يشهدوا ذلك الموقف العظيم؟!!.
وغني عن البيان هنا : أن شأن هذه الواقعة هو شأن واقعة نيشابور ، من حيث دلالتها دلالة قاطعة على كل ما كان للرضا من عظمة وتقدير في نفوس الناس وقلوبهم ، وعلى مدى اتساع القاعدة الشعبية له (ع) ..
وإذا كان هدف المأمون من الاصرار على الإمام بأن يصلي بالناس هو أن يخدع الخراسانيين والجند والشاكرية ، ويجعلهم يطمئنون على دولته المباركة فإنه من الواضح أيضا أن إرجاع المأمون للإمام (ع) في مثل تلك الحالة ، وذلك التجمع الهائل ، وتلك الثورة العاطفية في النفوس ، كان ينطوي على مجازفة ومخاطرة لم تكن لتخفى على المأمون ، وأشياعه ؛ حيث لا بد وأن يثير تصرفه هذا حنق تلك الجماهير التي كانت في قمة الهيجان العاطفي ، ويؤكد كراهيتها له .. وعلى الأقل لن تكون مرتاحة لتصرفه هذا على كل حال ..
وبعد هذا .. فإنه إذا كان المأمون يخشى من مجرد اقامة الإمام للصلاة .. فلا معنى لأن يلح عليه هو بقبولها .. وكذلك لا معنى لأن يخشى ذلك الهيجان العاطفي ، وتلك الحالة الروحية ، التي أثارها فعل الإمام (ع) وتصرفه في هذا الموقف .. فذلك إذن ما لم يكن يخافه ويخشاه ..
فمن أي شيء خاف المأمون إذن؟! إنه كان يخشى ما هو أعظم