إنه برغم شروط الإمام على المأمون ، والتي أشرنا إليها فيما سبق ، فإننا نرى المأمون كل مدة يحاول أن يجري اختبارا للامام ، ليعرف حقيقة نواياه ، وأنه هل أصبح له طمع بالخلافة ، وطموح لها (١) ، ليعجل عليه بما يحسم عنه مواد بلائه .. أم لا.
فكان يأتي كل مدة إليه ، يطلب منه أن يولي فلانا ، أو أن يعزل فلانا ، أو أن يصلي بالناس .. بل لقد طلب منه بعد مقتل الفضل أن يساعده في إدارة شئون الخلافة (٢) بحجة أنه يعجز وحده أن يقوم بأعباء الحكم ، ويدير دفة السلطان!!
هذا .. إن لم نقل : أنه كان يريد من وراء ذلك : أن يجعل ذلك ذريعة للقضاء على الإمام ، بحجة أنه نقض الشرط ، وليكون بذلك قد قضى على العلويين جميعا ، وإلى الأبد.
أو على الأقل كان يريد بذلك : أن يوجد للامام أعداء في الأوساط ذات القوة والنفوذ ..
وأيا ما كانت نوايا المأمون وأهدافه ، فإن الإمام (ع) كان يرفض ذلك كله بكل عزم وإصرار ، ويذكره بالشروط تلك ، ويقول له : « إن وفيت لي وفيت لك .. » .. وهذا تهديد صريح له من الإمام (ع). ولا نعجب كثيرا ـ بعد أن اتضحت لنا نوايا المأمون وأهدافه ـ اذا رأينا المأمون يتحمل هذا التهديد ، بل ويخضع له ، ويقول : « بل أفي لك »!! ..
__________________
(١) وما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد رأينا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، يسأل ابن عباس عن علي عليهالسلام : إن كان لا يزال يطمح إلى الخلافة ، ويأمل فيها .. أم لا!!.
(٢) الكافي ج ٨ ص ١٥١ ، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٨ و ٨٧ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٤ و ١٦٦ و ١٦٧ ، والبحار ج ٤٩ ص ١٤٤ و ١٥٥ و ١٧١ ، وغير ذلك.