من عودة المياه إلى مجاريها بين المأمون ، وبين العباسيين بني أبيه ، الذين أصبح يرى الناس : أن لهم ـ كغيرهم ـ الحق في الخلافة .. فإن المأمون سوف يجد ـ من ثم ـ العذر والمبرر لخلعه من ولاية العهد ؛ من أجل أن تستقر البلاد ، وتذهب الأحقاد والإحن ، وتعود الامور إلى حالتها الطبيعية بينه وبين بني أبيه ، والمحبين والمتشيعين لهم .. ولتكون هذه ـ وبعد ملاحقتها بحملة دعائية واسعة ـ ضربة قاضية لسمعة الامام ، وطعنة نجلاء في كرامته ، سوف يسعد المأمون بها أيّما سعادة ..
لقد كان من الممكن ذلك .. ولكن المأمون لم يكن يثق بالعباسيين ، الذين في بغداد ، أن يتفهموا حقيقة موقفه ، ويدركوا ما ترمي إليه مخططاته .. فقد يثورون ضده هو ، ويوصلون إليه ما يسوؤه ويزعجه ؛ كما حدث ذلك من قبل .. فهو مع أنه لم يبايع للرضا بولاية العهد ، إلا من أجل أن يحقن دماءهم ، ومع أنه كان يدبر الأمر ليدوم لهم ، ولعقبهم من بعدهم .. إلا أنهم لم يدركوا ذلك رغم أنه كتب إليهم به صراحة .. واستمروا على مناوءته ومحاربته ..
كما أنه كان يخشى أن الامام ، الذي رأى المأمون منه العجائب ، والذي أصبح قريبا من العباسيين ، وأشياعهم ، وقريبا من محبيه ومواليه أيضا ـ كان يخشى أن يتمكن ـ من قلب ما يدبره ، ويخططه ، وجعله وبالا عليه .. وقد تقدم ان أباه موسى (ع) قد أفسد على الرشيد قلوب شيعته ، رغم أنه كان في سجونه وتحت نظره ومراقبته الدقيقة ..