كما أنه لم ينس بعد أبدا : أنه قد أفسد عليه جلّ ، إن لم يكن كل مؤامراته ، وتدبيراته .. بل لقد كان يجعلها كلها في صالحه هو ، ودمارا ، ووبالا على المأمون مدبرها ، ومخططها الحقيقي ..
وقد يكون الامام مستعدا لقبول اقتراح من المأمون بالتنحي عن ولاية العهد. ولكن ذلك ولا شك سوف يعيد الامور إلى سيرتها الاولى. بل سوف يزيد الأمر تعقيدا ، والوضع خطورة عما كان عليه قبل البيعة له (ع) بولاية العهد. ولن يسكت العلويون ولا الخراسانيون ، بل حتى ولا العرب عن أمر كهذا. ولن يعيد الامور إلى سيرتها الاولى بيعة أو مناورة أخرى من أي نوع كانت ، وعلى أي مستوى كانت.
وهكذا .. وبعد أن رأى المأمون نفسه قد فشل في تحقيق الجزء الأهم من خطته ، ألا وهو أن يضع منه (ع) قليلا قليلا ، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر .. بل لقد رأى نفسه يحصد غير ما يزرع ، وأن النتائج التي كان يحصل عليها هي تماما عكس ما كان ينتظر ويؤمل ؛ وذلك بسبب وعي الإمام وحنكته ، ويقظته ..
ورأى أنه قد حارب الإمام بجميع الاسلحة التي كان يمتلكها ، من المكر والخديعة ، والدهاء إلخ .. لكن أسلحة الإمام كانت أمضى وأقوى من كل ما كان يمتلكه المأمون. ومن أين للمأمون علم الامام وزهده ، وتقواه وفضله ، وفضائله النفسية ، وشخصيته الفذة ، وسائر صفاته وخصاله الحميدة ، صلوات الله وسلامه عليه؟ ..
وإذا كان قد تأكد لديه أن محاولاته تلك لم تكن تثمر إلا أن يزداد الامام رفعة بين الناس ، ومحلا في نفوسهم ، وإلا اتساع قاعدته الشعبية