إصدار أحكام صائبة ، في قضايا هي من أكثر المسائل التاريخية تعقيدا ، بل وغموضا وابهاما ، كقضية حقيقة ظروف وعلاقات المأمون بالرضا ؛ فحكموا على الامور حكما سطحيا ، لا يلبث أن ينهزم أمام المنطق السليم والنظر الصائب.
وإما أنهم جروا على ديدن أسلافهم في التعصب على الأئمة (ع) ، والمجاراة لأهوائهم ، ولخلفائهم في طمس معالم الحقيقة ، التي كان يضر أولئك الخلفاء أكثر من غيرهم إظهارها ، ومعرفة الناس لها ..
إن كل ما ذكره هؤلاء لا يمكن أن يمنع المأمون من التدبير في الإمام بما يحسم عنه مواد بلائه .. كما دبر من قبل بوزيره الفضل بن سهل ، الذي أراد أن يزوجه ابنته ، وكما دبر في قائده الكبير هرثمة بن أعين ، الذي قتله فور وصوله إلى مرو ، دون أن يستمع لشكواه ، أو يصغي إلى دفاعه عن نفسه (١) ، وكما دبر فيما بعد بطاهر وأبنائه (٢) وغيرهم ،
__________________
(١) هكذا ذكر بعض المؤرخين. وقال ابن خلدون في تاريخه ج ٣ ص ٢٤٥ و ٢٤٩ : إنه حبس ، ثم دس عليه المأمون من قتله .. وفي معارف ابن قتيبة ص ١٣٣ طبع سنة ١٣٠٠ ه.
قال : « .. فلما سمع حاتم بن هرثمة ما صنع أبوه كاتب الأحرار هناك ، والملوك ، ودعاهم إلى الخلاف ؛ فبينما هو على ذلك أتاه الموت ؛ فيقال : إن سبب خروج بابك كان ذلك .. ».
ومن يدري فلعل المأمون قد دبر بحاتم بما يحسم عنه مواد بلائه .. كما دبر في الكثيرين قبله وبعده ..
وفي البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٦ : أن أهل بغداد ثاروا ، وأعلنوا العصيان بسبب قتل هرثمة. هذا .. ويقال : إن الفضل بن سهل قد عمل على قتل هرثمة. ولا بأس بمراجعة تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ٢٨٩ ، وغيره ..
(٢) في البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٦٠ ، ومرآة الجنان ج ٢ ص ٣٦ ، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٢٣٧ ، طبع سنة ١٣١٠ : إن سبب وفاة طاهر هو أن المأمون عند ما ولاه