بمعنى الحال أو الاستقبال فقوله ، إني جاعلك للناس إماما ، وعدله عليهالسلام بالامامة في ما سيأتي ، مع أنه وحي لا يكون إلا مع نبوة ، فقد كان (ع) نبيا قبل تقلده الامامة فليست الامامة في الآية بمعنى النبوة ( ذكره بعض المفسرين ).
واما ثانيا : فلانا بينا في صدر الكلام : أن قصة الامامة ، إنما كانت في أواخر عهد إبراهيم عليهالسلام بعد مجئ البشارة له بإسحق وإسماعيل ، وإنما جائت الملائكة بالبشارة في مسيرهم إلى قوم لوط وإهلاكهم ، وقد كان إبراهيم حينئذ نبيا مرسلا ، فقد كان نبيا قبل أن يكون إماما ، فإمامته غير نبوته.
ومنشأ هذا التفسير وما يشابهه الابتذال الطاري على معاني الالفاظ الواقعة في القرآن الشريف في أنظار الناس من تكرر الاستعمال بمرور الزمن ومن جملة تلك الالفاظ لفظ الامامة ، ففسره قوم : بالنبوة والتقدم والمطاعية مطلقا ، وفسره آخرون بمعنى الخلافة أو الوصاية ، أو الرئاسة في امور الدين والدنيا ـ وكل ذلك لم يكن ـ فإن النبوة معناها : تحمل النبأ من جانب الله ، والرسالة معناها تحمل التبليغ ، والمطاعية والاطاعة قبول الانسان ما يراه أو يأمره غيره وهو من لوازم النبوة والرسالة ، والخلافة نحو من النيابة ، وكذلك والوصاية ، والرئاسة نحو من المطاعية وهو مصدرية الحكم في الاجتماع وكل هذه المعاني غير معنى الامامة التي هي كون الانسان بحيث يقتدى به غيره بأن يطبق أفعاله وأقواله على أفعاله وأقواله بنحو التبعية ، ولا معنى لان يقال لنبي من الانبياء مفترض الطاعة إني جاعلك للناس نبيا ، أو مطاعا فيما تبلغه بنبوتك ، أو رئيسا تأمر وتنهى في الدين ، أو وصيا ، أو خليفة في الارض تقضي بين الناس في مرافعاتهم بحكم الله.
وليست الامامة تخالف الكلمات السابقة وتختص بموردها بمجرد العناية اللفظية فقط ، إذ لا يصح أن يقال لنبي ـ من لوازم نبوته كونه مطاعا بعد نبوته ـ إني جاعلك مطاعا للناس بعد ما جعلتك كذلك ، ولا يصح ان يقال له ما يؤل إليه معناه وان اختلف بمجرد عناية لفظية ، فإن المحذور هو المحذور ، وهذه المواهب الالهية ليست مقصورة على مجرد المفاهيم اللفظية ، بل دونها حقائق من المعارف