وقد يقال ان وروده في معرض الامتنان مع عدم التشخيص يعين ذلك ، لكنه لا يخلو من نظر. وأورد بعضهم على الاستدلال بالآية ان أقصى ما تدل عليه طهورية ماء السماء لا مطلق الماء ، وبان لفظ ماء نكرة في سياق الإثبات فلا تفيد العموم. والجواب عن الأول أولا بالإجماع المركب ، لا يقال انه خروج عن الاستدلال بالآية حينئذ لأنا نقول ان الإجماع المركب لا يفيد بدونها شيئا ، وثانيا ان المياه كلها أصلها من السماء بدليل قوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ) (١) وربما أشارت إليه بعض الأخبار ، وعن الثاني بأن النكرة في سياق الإثبات تفيد العموم إذا وقعت في معرض الامتنان ، كما في قوله تعالى ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ) (٢) مضافا الى الإجماع المزبور ، والأمر سهل.
( بقي شيء ) ينبغي التنبيه عليه ، وهو ان ما دل على طهورية الماء من الكتاب وغيره هل يقضي بشمول المطهرية لسائر المتنجسات أو لا شمول فيه لذلك فما شك في قابليته للطهارة به من دون انقلابه اليه يبقى على أصل النجاسة؟ لا يبعد في النظر الثاني ، وما دل على كونه مخلوقا طاهرا مطهرا لا يستلزم شموله للجميع ، بل يكفي في صدق ذلك تطهيره لكثير من الأشياء ، وان كان الأول لا يخلو من وجه ولعله هو مبنى كلام العلامة في تطهير المضاف من حكمه بطهارته بمجرد اتصاله بالكثير وان بقي على إضافته. وفيه انه لو سلمنا شمول المطهرية لكن لا يكفي ذلك في بيان كيفية التطهير ولا عموم يرجع إليه في الكيفية ، فعمومها حينئذ غير مفيد شيئا لمكان الإجماع في الكيفية المتوقف حصولها على بيان الشارع. فحينئذ على كل حال هذه العمومات لا تثمر للفقيه ثمرة ولا متيقن يرجع اليه ، وربما تسمع فيما يأتي بعض الكلام في ذلك ان شاء الله.
(و)كيف كان فالماء باعتبار وقوع النجاسة فيه وتأثيرها وعدمه ينقسم إلى ثلاثة أقسام جار ومحقون وماء بئر.
__________________
(١) سورة المؤمنون ـ آية ١٨.
(٢) سورة الرحمن ـ آية ٦٨.