( أما الجاري )
فهو ـ على ما قيل ـ النابع السائل على الأرض ولو في الباطن سيلانا معتدا به وربما عرف بأنه النابع غير البئر ، كما وقع من بعض المتأخرين ، مع التصريح بأنه لا فرق بين جريانه وعدمه. وتسميته حينئذ جاريا اما حقيقة عرفية خاصة أو من باب التغليب لتحقق الجريان في كثير من أفراده ، فمثل العيون التي لا تدخل تحت اسم البئر من الجاري حينئذ. ولا أعلم السبب الذي دعاهم الى ذلك ، مع انه مناف للعرف الذي تثبت به اللغة ، إذ لا يصدق الجاري إلا مع تحقق الجريان ، وليس في الأخبار ولا في كلام الأصحاب ولا غيرهم ما يحقق تلك الدعوى ، بل ربما يشير قولهم في تطهير الجاري « انه يطهر بكثرة الماء الجاري عليه متدافعا حتى يزول التغيير » وما في بعض الأخبار (١) « عن الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم أيتوضأ منه؟ » الى آخره ، الى خلافه ، كما يظهر من بعض العبارات من كون الجاري ما تحقق فيه الجريان. ومن هنا صرح بعض المتأخرين كالفاضل الهندي وغيره باعتبار السيلان في الجاري ، خلافا لما وقع من الشهيد الثاني ومن تبعه من كونه النابع غير البئر ، تعدى أو لم يتعد. ولعله أخذه من حصرهم المياه في الجاري والمحقون وماء البئر. مع استظهاره كون العيون ونحوها لا تدخل في المحقون ولا ماء البئر. أما الثاني فلعدم صدق الاسم وأما الأول فلان لها مادة ، فلم يبق إلا دخولها في الجاري ، ولا يكون ذلك إلا بالتزام أن الجاري هو النابع غير البئر لعدم التعدي فيها. وفيه ان هذا الحصر لم يقع من الجميع بل ولا من الأكثر ، وأيضا لا مانع من إرادة من حصر ذلك الجاري أو ما في حكمه. كما يظهر من إلحاقه ماء الحمام ونحوه كما صنع المصنف ، فتأمل. أو يلتزم دخولها تحت اسم البئر وارتكابه مثل ذلك في لفظ الجاري ليس بأولى من ارتكاب شمول لفظ البئر بل هو أولى. فالتحقيق حينئذ
__________________
(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٢.