في سائر الأعصار والأمصار ، ولما هو المستفاد من الكتاب والسنة ، بل الضرورة من الدين من استقبال الكعبة للقريب والبعيد الذي لا يتحقق عرفا إلا باستقبالها حقيقة الذي منه استقبال الجهة بالمعنى الذي ذكرناه سابقا ، لا الجهة العرفية المبنية على التسامح وعدم الاستقبال حقيقة ، وأمر السيد عبده بسبب قرائن الأحوال محمول عليها ، بل هو عند التحقيق مراد منه جهة الجهة ، وإلا فلو فرض عدم القرينة على ذلك وجب بذل الجهد في تحصيل الاستقبال حقيقة.
واحتمال أن الشارع مراده هذا التسامح يدفعه عدم القرينة على ذلك كي يحمل عليه الخطاب المزبور ، ضرورة عدم كون المسامحات العرفية حقائق تحمل الألفاظ عليها بدونها ، وثانيا أن ملاحظة الفتاوى وما تسمعه من النصوص ـ (١) التي فيها التفرقة بين طريق الحج وغيره بوضع الجدي على اليمين والقفا مع سهولة التفاوت بينهما ، وفيها (٢) انه المراد من قوله تعالى (٣) ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) وفيها (٤) جعل ما بين المشرق والمغرب قبلة لخصوص المخطئ والمتحير ، وفيها (٥) الأمر بالتحري لغير المتمكن من العلم ، وبالصلاة لأربع لفاقدهما ، وفيها غير ذلك ـ تشرف الفقيه على القطع بعدم إرادة هذا التسامح الذي يقتضي عدم الاستعداد له بعلامة أصلا ، وعدم إشكال الحال على السائل المسافر ، بل ستسمع ما في المروي (٦) عن رسالة المحكم والمتشابه منها ما يزيد ذلك كله تأكيدا.
نعم لما كان استعداد الناس وفطانتهم مختلفة أشد اختلاف حتى أن منهم من
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٣.
(٣) سورة النحل ـ الآية ١٦.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة من كتاب الصلاة.
(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ١.
(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٤.