بالآلية في جانب اللفظ أن يلحظ اللفظ فانيا في المعنى ومرآة له بمعنى ان الاستعمال متقوم باللحاظ الآلي ، وبذلك يختلف عن الانتقال من العلامة إلى ذي العلامة في سائر الموارد فان العلامة هناك تلحظ باللحاظ الاستقلالي بخلاف اللفظ مع المعنى.
ولتحقيق هذه الدعوى لا بد من التكلم في أن الاستعمال هل هو من باب المرآتية أو من باب العلامية؟ وهل تختلف أساسا طريقة مواجهة الذهن للفظ والمعنى مع طريقة مواجهة للعلامة وذي العلامة فيكون اللفظ مستعملا بالنظر المرآتي والعلامة مستعملة بالنظر الاستقلالي؟ وما ذا تعني مرآتية اللفظ في مقام الاستعمال والتفاهم؟ وإذا كان الاستعمال عادة من باب المرآتية ، فهل هذا مجرد ظاهرة عامة بالإمكان أن يشذ عنها الاستعمال أو انها من مقوماته ولا يتأتى بدونها؟
وينبغي أن يعلم : أن البحث ليس بحثا في المصطلح ، إذ قد يصطلح بكلمة الاستعمال على الاستخدام الآلي للفظ في مقام إفادة المعنى فيكون تقومه بالآلية داخلا في تعريف معناه المصطلح ولا مضايقة في الاصطلاح ، وإنما البحث في واقع العملية التفهيمية للمعاني بالألفاظ ومدى تقومها باللحاظ الآلي.
وتوضيح الحال في تلك : أن من الملاحظ وجود فارق بين علاقة اللفظ بالمعنى في مرحلة إفادة المدلول الوضعي وعلاقة العلامة بذي العلامة كعلاقة العمود بمقدار المسافة ، فان اللفظ يبدو وكأنه مرآة للمعنى وأداة لإحضارها وليست كذلك العلامة مع ذيها.
وهذه المرآتية وإن كان ما ذكرناه لا يكفي لتحديد معناها وكنهها ، إلا انها لما كانت أمرا مركوزا معلوما على وجه الإجمال أمكن أن نبدأ بالحديث عن تبريرها والكشف عن سببها في باب الألفاظ قبل تدقيق تفسيرها ، وعلى ضوء ذلك يتضح مغزاها ومعناها ومدى دخلها في عملية الاستعمال.