وما يمكن أن يقال في تفسير ظاهرة المرآتية أحد وجوه :
الأول : ان دلالة اللفظ على المعنى لما كانت بالوضع ، والوضع هو جعل اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى ومرآة له ، كان من نتيجة ذلك أن تكون عملية تفهيم المعنى باللفظ متمثلة في لحاظ اللفظ فانيا في المعنى ومرآة له ، لأن عملية التفهيم هذه ليست إلا تطبيقا جزئيا لما جعله الواضع على وجه كلي ، ولما كان مجعول الواضع هو المرآتية ففعلية هذا المجعول يعني فعلية هذه المرآتية.
ولعل السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ لاحظ هذا حين ربط المرآتية في الاستعمال بمسلك الاعتبار ونفاه عن مسلك التعهد (١).
والتحقيق : أن الواضع إذا كان يمارس جعل العلقة الوضعيّة من خلال اعتبار اللفظ مرآة للمعنى أو وجودا له فليس معنى هذا ان المعتبر بهذا الاعتبار يتحقق بنفس هذا الاعتبار بما هو اعتبار ليرقب ثبوت المعتبر على النحو الّذي اعتبره ، فان العلقة بين اللفظ والمعنى أمر واقعي ـ كما تقدم ـ وسببية الاعتبار الصادر من الواضع له ليس من باب إيجاد الاعتبار المعتبرة ، بل من باب انه يحقق تكوينا قرنا مخصوصا بين اللفظ والمعني ، وهذا القرن يوجب التلازم بين تصور اللفظ وتصور المعنى. والسؤال حينئذ لا يزال قائما عن سر المرآتية في هذا الانتقال من اللفظ إلى المعنى.
وستعرف : أن المرآتية بالمعنى المدعى في هذا الوجه المساوق لأن يرى المعنى باللفظ نظير مرآتية العنوان لمعنونه أمر غير معقول في اللفظ بالنسبة إلى المعنى ، لأنه مباين له وليس عينه بوجه من الوجوه واعتبار العينية وجعله تنزيلا نفس المعنى لا يحقق العينية واقعا بل ادعاء ، ورؤية شيء بشيء لا تكون إلا مع العينية بينهما بوجه على حد عينية العنوان مع معنونه.
الثاني : أن اللفظ موضوع للمعنى الكلي ، والمعنى الكلي لا يجيء إلى الذهن إلا في
__________________
(١) راجع محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢١٩