انتقال السامع أو القارئ. والآخر : الانتقال السابق على تصور اللفظ والّذي ينشأ منه الانتقال إلى اللفظ ، وهذا هو انتقال المتكلم ، فانه ينقدح في نفسه أولا المعنى ويقصد تفهيمه ثم ينتقل إلى اللفظ. ولهذا فان المتكلم المطلع على لغتين بصورة متكافئة بعد أن يقصد التفهيم قد يفكر في اختيار إحدى اللغتين ، وقد يبقي يفتش عن اللفظة المناسبة لما يقصده من معنى حتى يجدها ، وهذا يعني ان انتقاله إلى اللفظ في طول انتقاله إلى المعنى.
أما في الانتقال الأول فمرآتية اللفظ مرجعها إلى كونه مغفولا عنه من قبل النّفس وإن كانت صورته موجودة في الذهن ، وذلك : إما لأن الانتقال إلى المعنى كان استجابة للإدراك الحسي للفظ مباشرة بدون توسيط الصورة الذهنية للفظ ـ على ما بيناه في الوجه الرابع ـ واما لأن الانتقال إلى المعنى كان في طول تصور اللفظ واستجابة له ، ولكن اللفظ مع هذا مغفول عنه وتمام توجه النّفس إلى المعنى. ولا يتوهم : أن الصورة الذهنية للفظ موجودة على أي حال وهي حاضرة للنفس بذاتها فما معنى كونها مغفولا عنها؟ فإنه يقال : إن وجود شيء في صقع من صقاع النّفس شيء وتوجه النّفس إليه شيء آخر ، وبهذا يفرق بين العلم الارتكازي والعلم الفعلي. ولا يتوهم : ان الصورة الذهنية للفظ إذا كانت مغفولا عنها وغير متوجه نحوها فكيف ينتقل منها إلى المعنى؟ فانه يقال : ان هذا الانتقال نتيجة الأشراط والاقتران الأكيد ، وهذا يؤدي إلى كون الصورة الذهنية للفظ بوجودها في صقع الذهن مستدعية للصورة الذهنية للمعنى لا بالالتفات إليها والتوجه نحوها ، فما هو طرف الإشراط وبالتالي طرف السببية تكوينا الوجود الذهني للفظ وبعد استتباعه لوجود المعنى ذهنا يمكن للنفس أن تتوجه إلى المعنى ابتداء ، وهذا ما يقع عادة فيقال حينئذ أن اللفظ يلحظ مرآة ؛ أي كما ان الناظر في المرآة على الرغم من أنه يرى المرآة ويرى الصورة معا يغفل عن رؤيته للمرأة ويتوجه إلى رؤيته للصورة ، فكذلك السامع فانه على الرغم من تصوره للفظ والمعنى معا لا يتوجه إلا إلى المعنى ويغفل عن تصوره للفظ ، فالسامع يتراءى له حسب وعليه التفصيليّ وتوجهه الفعلي كأنه لا يواجه إلا المعنى. هذا هو محصل الآلية والانتقال الأول.