وشئونها ، وهو يختلف بصورة أساسية عن نهج علوم اللغة. وهذا هو النهج الّذي ستجد ممارسته في الأبحاث المقبلة إن شاء الله تعالى.
الثاني : اتّجاه اكتشافي ، وهو الاتجاه إلى معرفة المدلول العرفي للكلمة أو الكلام الّذي يعالج دفع شك حقيقي في انَّ اللفظ هل يدلّ على المعنى الفلاني أو لا ، وهو اتجاه يتّفق في روحه العامة مع الاتجاه اللغوي. وفي هذا المجال توجد وسيلتان رئيسيّتان بغض النّظر عن الوسائل المستمدة من علوم اللغة.
إحداهما : الانسباق والتبادر ، وهي وسيلة تدلّ على الوضع كما تقدّم والتبادر قد يكون تبادراً لنفس المعنى الموضوع للفظ ، كما إذا تبادر خصوص المتلبّس بالمبدإ من اللفظ المشتق ، وأخرى يكون لملازمات المعنى التي يستكشف منها المعنى ، كما إذا تبادر التضاد فيما بين المشتقات الدال على وضعها لخصوص المتلبس لا محالة.
لا يقال : كيف يمكن التفكيك بين الانسباقين بحيث يفترض في المثال عدم تبادر خصوص المتلبس الّذي هو المعنى الموضوع له ولكن تتبادر خصوصية التضاد الملازمة مع كون المعنى خصوص المتلبس ، فان تبادر اللازم يساوق دائماً تبادر الملزوم ومعه لا حاجة إلى تبادر اللازم.
فانَّه يقال : يمكن ذلك فيما إذا فرض رجوع المستعلم إلى تبادر أهل العرف للازم فانَّه قد يفترض انَّ ارتكازهم للتضاد مثلاً بين المشتقات أوضح وأبين من تبادر هم أصل المعنى.
أضف هذا إلى أنَّه بناء على ما هو الصحيح في تفسير الوضع من كونه عبارة عن الأشراط بين اللفظ والمعنى تصوراً من المعقول أن يكون بعض جهات المعنى الموضوع له أو ملازماته أشدّ التصاقاً وإشراطاً باللفظ من المعنى بحدّه وحاقه.
والأخرى ـ البرهان ، ويكون وسيلة لتشخيص المعنى الموضوع له في أحد مجالين :
١ ـ في نفي أحد المعنيين أو المعاني المحتملة في اللفظ ، فيكون وسيلة سلبية على المعنى. وقد استعمل علماء الأصول هذه الوسيلة في بحث الصحيح والأعم حيث حاول بعضهم نفي احتمال الوضع للصحيح بإقامة البرهان على استحالة وجود معنى جامع بين الأفراد الصحيحة بالخصوص.