من الغموض بحيث حمله حتى بعض الأجلة من مقرّري بحثه على معنى غريب جدّاً إذا افترض انَّ مقصوده قدسسره ان نفس الحرف يكون موجوداً لمعناه في عالم الكلام واللفظ دون أن يكون لهذا المعنى أي تحقّق قبل الكلام. فاعترض عليه : بأن الحرف وإن كان موجداً للربط في عالم الكلام واللفظ ولكن موجوديّته لذلك انَّما هي بلحاظ دلالته على معنى والكلام في تشخيص ذلك المعنى.
ولكن الظاهر أن المحقق النائيني ( قده ) لا يقصد إيجادية الحرف بل إيجاديّة معاني الحروف ، فكون المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي ثابتاً في الذهن قبل الكلام أمر بديهي مفروغ عنه ، وانَّما المدّعى انَّ المعنى الحرفي سنخ معنى إيجادي والمعنى الاسمي إخطاري. وهذه الإيجادية في معاني الحروف لها ثلاثة أركان :
أولا : انَّ المعاني الحرفية لا بدَّ أن تكون عين حقيقتها عنواناً ووجوداً أي بالنظر التصديقي فضلاً عن التصوّري ، بخلاف المعاني الاسمية التي يتحقّق الغرض من إحضارها أن تكون عين حقيقتها بالنظر التصوّري.
ثانياً : انَّ المفاهيم الحرفية تقرّرها الماهوي والذاتي في طول عالم الوجود ـ ذهناً أو خارجاً ـ بخلاف التقرر الذاتي للمفاهيم الاسمية فانَّه محفوظ في المرتبة السابقة على الوجود الذهني والاستعمال.
ثالثاً : انَّ المفاهيم الحرفية نسبتها إلى ما يوازيها من النسب في الخارج نسبة المماثل إلى المماثل وليست كنسبة الكلّي إلى فرده بنحو ينطبق عليه ، خلافاً للمفاهيم الاسمية التي نسبتها إلى الخارج بالنظر التصوّري نسبة الكلّي إلى فرده بنحو ينطبق عليه ولهذا تكون حكاية المعنى الحرفي عن الخارج بتبع حكاية المعنى الاسمي.
وتذكر ـ عادة ـ في إطار الاتجاه الثالث عدّة وجوه ادّعي اختلافها في تحقيق المعاني الحرفية ضمن هذا الإطار.