الذهن بما هي نسب حقيقة ، كما في النسبة القائمة بين الوصف والموصوف في الجملة الوصفية في قولنا ( الرّجل العالم ) إذ ليس بين الرّجل والعالم نسبة حقيقية خارجية لاتّحاد هما في الخارج ، والنسبة في صقع وجودها تتطلب طرفين متغايرين ، وانَّما النسبة الخارجية قائمة بين الرّجل والعلم ، وأمَّا بين الرّجل والعالم فهناك نسبة تصادقية تامة في الذهن ، وهي من النسب الثانوية التي موطنها الأصلي الذهن ، وسيأتي أن مفاد الجملة التامة هو هذه النسبة التصادقية ، وكما انَّ النسبة الحقيقية الخارجية بين الضرب وزيد يمكن للذهن في مجال تصور الواقعة تحويلها بطرفيها إلى مفهوم واحد مركّب تركباً تحليليّاً بحيث تكون النسبة المذكورة تحليلية في هذا المفهوم ، كذلك النسبة الحقيقية الذهنية التصادقيّة بين « الرّجل والعالم » ، فانَّها إذا أريد التعبير عنها وعن طرفيها بما هي واقعة أمكن للذهن تحويلها بمجموعها إلى مفهوم واحد مركّب تركّباً تحليليّاً بحيث تكون النسبة التصادقية تحليلية في هذا المفهوم ويعبر حينئذ بالجملة الناقصة ، وسيتّضح هذا المطلب أكثر في أعقاب شرح مفاد الجملة التامة.
والمشهور أنَّها موضوعة للنسب ، ولكن النسبة المفاد عليها بالجملة التامة نسبة تامة يصحّ السكوت عليها بخلاف النسبة المفاد عليها بالجملة الناقصة أو الحروف.
وخالف في ذلك أيضا السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ وادّعى : أنَّها موضوعة لإبراز أمر نفساني كقصد الحكاية في الجملة التامة الخبرية وقصد الإنشاء في الجملة التامة الإنشائية.
وقد أفاد بهذا الصدد اعتراضات عديدة في محاولة لإبطال ما ذهب إليه المشهور (١) نذكرها جميعاً مع التعليق عليها بما يثبت في النهاية صحة مسلك المشهور.
الاعتراض الأول : النقض بموارد لا يعقل فيها وجود النسبة خارجاً بين الموضوع والمحمول ، كقولنا العنقاء ممكن وشريك الباري ممتنع ، لأنَّ ثبوت النسبة فرع ثبوت
__________________
(١) راجع محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٩٠ ـ ٩٣