بوجداناتهم اللغوية الأصيلة وهذا يعني انَّا إذا شئنا تجاوز تلك الصياغات والمصطلحات وأردنا تأسيس منهج آخر قد يكون أنسب وأقرب إلى روح البحوث اللغوية والنحوية فلا بدَّ وأن لا نتخبط في إنكار وجدانات لغوية أصيلة قد تكون مستترة من وراء تلك الصياغات.
وعلى هذا الأساس يمكننا أن نعلّق في المقام بما يلي :
انَّ القول بأنَّ جملة « البدر طلع » فعلية يجعلنا أمام مفارقات لا يمكن حلّها وتفسيرها. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.
١ ـ كيف نفسّر صحة قولنا « ذهب الناس » وعدم صحة « الناس ذهب » وانَّما الصحيح « الناس ذهبوا ».
٢ ـ صحة قولنا « قام محمد وعلي » وعدم صحة « محمد وعلي قام » بل الصحيح « محمد وعلي قاما ».
٣ ـ صحة قولنا « طلع الشمس » وعدم صحة « الشمس طلع » بل الصحيح « الشمس طلعت ».
٤ ـ صحة قولنا « جاء رجل وعدم صحة « رجل جاء ».
ومرجع الثلاثة الأولى إلى اشتراط التطابق بين المبتدأ وخبره في الأفراد والتثنية والجمع والتأنيث والتذكير فإذا قلنا : ان « رجل و « الناس » و « محمد » و « علي » فاعل ويرتبط به الفعل مباشرة ، سواءً تقدّم على الفعل أو تأخّر عنه فلا نستطيع أن نفسّر هذه الفوارق بين حالة تقدّم الفعل وحالة تأخره ما دام جوهر العلاقة المعنوية واحداً ، بل تكون مجرّد فوارق تعبّدية بحتة ، بخلاف ما إذا افترضنا انَّ جوهر العلاقة المعنوية مختلف وانَّ العلاقة بين جزئي الجملة في حالة تقدّم الفعل هي علاقة إسنادية ، أي علاقة فعل بفاعل ، وأنَّها في حالة تأخر الفعل علاقة حملية أي علاقة خبر بمبتدإ ، وهو ما يعنيه النحاة بقولهم انَّ الجملة في هذه الحالة تعتبر اسمية. فان بإمكاننا أن نفسّر الفوارق المذكورة حينئذ باعتبار أنَّ فاعل الفعل ليس هو الاسم المتقدّم عليه ليقال : كيف ساغ أن يكون الفعل بصيغة المفرد أو التذكير حينما يتأخّر عنها ولا يسوغ ذلك حينما يتقدّم عليها. بل الفاعل ضمير يمثّل مدلول الاسم المتقدّم ، ولما كان الضمير ممثلاً