قد عرفت على ضوء ما تقدّم انَّ النسب الناقصة انَّما تكون ناقصة لكونها نسباً تحليلية في الذهن وإن كانت واقعية في الخارج ، وبذلك تمتاز عن النسب التامة التي تكون واقعية في الذهن.
والمقصود هنا البحث عن أنحاء هذه النسب الناقصة وما بينها من الفوارق.
وموضوع بحثنا فعلاً النسبة التوصيفية والإضافة وحروف الجر. وأمَّا النسب الناقصة المستبطنة في المشتقات والهيئات الإفرادية فسوف يأتي الحديث عنها فيما بعد ، وعلى هذا الأساس نقول :
أمَّا النسبة الوصفية فقد يتوهّم أنَّها مع النسبة الإضافية موضوعتان لمعنى واحد وهو التحصيص وربط مفهوم بمفهوم آخر بنحو التقييد. ولكن قد عرفت أنهما وإن كانتا معاً تدلان على التحصيص إلا أن التحصيص في النسبة الوصفية انَّما هو بلحاظ مفاد النسبة التامة الخبرية لا بلحاظ الخارج ابتداءً خلافاً للنسبة الإضافية ، فاعتبار هما معاً من واد واحد غير فنّي.
وأمَّا مدلول الإضافة مع مفاد حروف الجرّ فقد يحاول إرجاع أحدهما إلى الآخر كما ذهب إليه بعض النحاة المحدّثين فادّعى : انَّ حرف الجرّ يقوم بدور الوسيط لتسهيل الإضافة حيث لا يمكن الإضافة المباشرة ففي قولنا « سافرت من البصرة » تكون البصرة مضافاً إليه لكن حيث انَّ « سافرت » ببنائها ممَّا لا يضاف أبداً فاستعين بـ ( من ) لتحقيق هذه الإضافة. كما احتمل أن تكون حروف الجرّ قد استعمل في البداية كأسماء وأفعال دالة على معان مستقلة ثمَّ أفرغت من معناها وتحولت إلى مجرد رموز (١).
والتحقيق : إنَّ إرجاع حروف الجرّ إلى الإضافة بالنحو المذكور غير وجيه. ويتّضح ذلك بمراجعة الوجدان اللغوي في عدة نقاط نقارن فيها بين موارد استعمال الحروف وموارد الإضافة فنجد فيما بينهما فوارق واضحة بحيث لا يقبل الحسّ اللغوي اعتبار هما
__________________
(١) لاحظ المخزومي في كتابه « في النحو العربي » ص ٧٧ ـ ٧٩