ولكن الحديث عن مرحلة المدلول الجدّي أجنبي عن محل الكلام ، لأنَّ المقصود في المقام الكشف عن الفارق بين الجملتين في مرحلة المدلول الوضعي والمراد الاستعمالي ، وذلك لوضوح أن الجملة الإنشائية والخبرية حتى في موارد استعمالها هزلاً وتجرّد هما عن المدلول الجدّي معاً يبقى فارق بينهما لا بدَّ من تفسيره ، فهناك فرق بين أن تقول « بعت داري » في مقام الإنشاء هزلاً أو تقول « بعت داري » في مقام الاخبار هزلاً ، وهذا يعني انَّ الفارق في مرحلة المراد الاستعمالي نفسه.
وامَّا في المرحلة الثانية ، فقصد الحكاية أجنبيّ عن المدلول الاستعمالي للجملة الخبريّة ، فإنَّ مدلولها الاستعمالي ليس إلا إخطار النسبة تصوّراً ، لما تقدّم من انَّ الدلالة الوضعيّة تصورية ، وهذا الإخطار بنفسه محفوظ في الجملة الإنشائية أيضا ، لوضوح انَّ المنشئ يقصد بقوله « بعت » أن يخطر في ذهن المشتري معنى. فلم يتحدد أي فرق بين الجملتين على هذا الأساس.
الثالث : أن يراد إيجادية الجملة الإنشائية في طول الإخطار بل في طول مدلولها التصديقي ، بأن يقال : إنَّ صيغة « افعل » مثلاً تدلّ تصوراً على النسبة البعثيّة والإرسالية ، وتدلّ تصديقاً على الحالة النفسيّة المناسبة لهذا المدلول التصوّري ، وهي إرادة تحرّك المأمور نحو المادة ، وباعتبارها كاشفة عن هذه الإرادة وكون هذا الكشف بداعي التوصّل إلى المراد ينطبق عليها عنوان الطلب وتكون مصداقاً حقيقيّاً للطلب بمعنى السعي نحو المقصود وهكذا تكون الجملة موجدة لمعناها في طول دلالتها التصورية والتصديقية.
وهذا النحو من الإيجادية صحيح في الجملة ، ولكنَّه ليس من شئون الجملة الإنشائية ولوازمها بما هي جملة إنشائية ، بل أمر يتّفق أحياناً ، وهي لما كانت في طول دلالة الجملة الإنشائية على معناها جدّاً فلا يمكن أن تكون هي نكتة الفرق بين الجملة الإنشائية والخبرية ، لانحفاظ الفرق بينهما في الرتبة السابقة وفي مرحلة المدلول الاستعمالي حتى مع هزليّة الجملتين معاً كما عرفت.