أمَّا المقام الأول ، فهناك عدة وجوه وأقوال لتشخيص مدلول الجملة الإنشائية وذلك كما يلي :
الوجه الأول : وحاصله : أنَّ الجملة الإنشائية موضوعة للطلب وللتمنّي والترجّي والاستفهام على اختلاف أنواعها ، وبذلك تتميّز مدلولاً عن الجملة الخبرية التي لا تدخل هذه المعاني في مدلولها حتى في مثل الجملة الخبرية المتكفلة للاخبار عن الطلب أو التمنّي أو غير هما ، كما في قولك « أطلب منك » فإن الطلب هنا مستفاد من الكلمة الإفرادية لا من هيئة الجملة التي لها نحو مدلول واحد في سائر الموارد.
وهذه الفرضية عليها أن تبرز فرقاً بين الجملة الإنشائية والألفاظ الدالة على نفس مفاهيم الطلب والتمنّي والاستفهام ، لوضوح اختلافهما على ما أشرنا إليه في الحديث عن الاتجاه الأول.
وهذا الفرق تارة يبين بدعوى : ان الجملة الإنشائية موضوعة لإبراز واقع هذه الصفات والكشف عنها بينما تلك الألفاظ موضوعة بإزاء مفاهيمها بقصد إحضار تلك المفاهيم تصوراً ، وبذلك كانت الجملة الإنشائية كلاماً تاماً بخلافها. وهذا يرجع إلى البناء على مسلك التعهد وأن الدلالة الوضعيّة تصديقية ، فانَّه حينئذ يمكن القول بأن الجملة الإنشائية موضوعة للكشف على النحو المذكور فيكون واقع الطلب مدلولاً وضعياً وتكون دلالة الجملة عليه تصديقيّة ، وهذا ما اختاره السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ غير أن المبنى باطل كما تقدّم في محله.
وأخرى يبين بدعوى : أن الجملة الإنشائية توجد معناها باللفظ وبذلك كانت كلاماً تاماً بخلاف تلك الألفاظ ، وهذا ما يعبر عنه بالإيجادية ببعض وجوهها التي تقدّم الكلام عنها وعن ردّها ، وعليه فهذه الفرضية غير صحيحة.
الوجه الثاني : ما أفاده المحقق العراقي قدسسره من دلالة أداة الاستفهام أو هيئة الجملة الاستفهامية مثلاً على نسبة الاستفهام إلى مدخولها فأحد طرفي هذه النسبة هو مفهوم الاستفهام والطرف الآخر النسبة التامة المدخول عليها الأداة ، وباعتبار