وتوضيح ذلك : انَّ النسبة بين « زيد » و « عالم » ليس لها ركنان فحسب بل لا بدَّ من ركن ثالث لهما لا محالة ، فانَّ النسبة التصادقية لا معنى لها إلا بلحاظ وعاء يكون فيه التصادق أي انَّ الذهن يتصوّر « زيد » و « عالم » متصادقين على شيء في عالم من العوالم خارج الذهن ، وهذا العالم في الجملة الخبرية هو عالم التحقق والثبوت ويدلّ عليه تجرد الجملة عن الأداة في لغة العرب ولعله يوجد بإزائه دال مستقلّ في بعض اللغات الأخرى ، وفي جملة الاستفهام هو عالم الاستفهام أو السؤال ويدلّ عليه أداة الاستفهام وفي جملة التمنّي عالم التمنّي ويدلّ عليه أداة التمنّي وهكذا ويكون المعنى في الجملة الأولى تصادق المفهومين في وعاء التحقق وفي الثانية تصادقهما في وعاء الاستفهام وفي الثالثة في وعاء التمنّي وهكذا وليس المقصود من هذا الطرف الثالث وجود مفهوم اسمي ثالث للنسبة التصادقيّة على حدّ مفهوم « زيد » و « عالم » بل وجود ركن ثالث لقوام النسبة التصادقية فإنَّهما بحاجة إلى وعاء يصدق بلحاظه المفهومان. وإن شئت قلت : انَّ النسبة التصادقية بين مفهومين لها حصص عديدة ، إحداهما : النسبة التصادقية بلحاظ وعاء التحقق. والأخرى : التصادق في عالم السؤال والاستفهام. والثالثة : في عالم التمنّي وهكذا. وتعيين إحدى هذه الحصص يكون بالأداة الداخلة على الجملة أو بمجرّدها عن كلّ أداة كما في الجملة الخبرية.
وقد تحصّل ممَّا ذكرناه : أنَّ الفرق بين الجملة المختصة بالإنشاء والجمل الخبرية ينشأ من المدلول التصوّري لأنَّها تختلف عن الجمل الخبرية في الوعاء الملحوظ فيه تصادق المفهومين المقوّم لكيفيّة النسبة التصادقية وما مضى منَّا من أنَّ معنى « زيد عالم » محفوظ سواءً دخل عليه الاستفهام أم لا لكون الدلالة بنحو تعدد الدال والمدلول كان مع غضّ النّظر عن الوعاء. وعلى هذا يكون الجواب عليه بنعم بمنزلة تكرار المعنى من جميع الجهات إلا من جهة الوعاء فهو موضوع لتبديل وعاء نفس هذه النسبة من الاستفهام إلى التحقق وربّما يرجع كلام المحقق العراقي قدسسره لبّا إلى ما حقّقناه حيث انَّه جعل مدلول الأداة نسبة الاستفهام لا النسبة الاستفهامية فليس هناك نسبة جديدة تقتضيها الأداة مع مفهوم الاستفهام الاسمي بل هي نفس النسبة التصادقية تلحظ ببركة الأداة في عالم الاستفهام.