بالمعنى المذكور مأخوذة في المدلول التصوّري ، وذلك إمَّا على نحو تعدد الدال والمدلول بأن تكون الجملة موضوعة لذات النسبة المناسبة لكلا النحوين من النّظر التصوّري الإفنائي ، وإمَّا على نحو وحدة الدال بالالتزام بتعدد الوضع أو بالحقيقة والمجاز.
ونفس هذا الفرق يمكن ادعاؤه أيضا في المقام الأول ، فيقال : أن الجمل المختصة بالإنشاء تتميّز عن الجمل الخبرية بنسبة مغايرة ذاتاً وبطريقة في مقام إفنائها بالنظر التصوري مغايرة لطريقة الإفناء بالنظر التصوري في موارد الجملة الخبرية ، وذلك في كلّ مورد تتعقّل فيه الإيجادية والحكائية بالنحو المتقدم في الوجه الرابع.
وعلى العموم يتحصّل ممَّا ذكرناه : أن الجملة الإنشائية بكلا قسميها لا تتضمّن نسبة جديدة غير النسبة التصادقية التامة وانَّما يختلف ما يتمحّض في الإنشاء عن الجمل الخبرية في الوعاء الملحوظ فيه تصادق المفهومين. إلا انَّا انَّما نقول ذلك في الجمل المتمحّضة في الإنشاء التي يكون مدخول أداة الإنشاء فيها جملة تامة كالجملة الاستفهامية ، وأمَّا الأدوات الإنشائية التي لا تدخل على جملة تامة كما في قولنا « يا زيد » فلا يتم فيها ما ذكر ، لأنَّ المدخول ليس متكفّلاً لنسبة تصادقية تامة. فإما أن ترجع بحسب المدلول إلى جملة فعلية إنشائية فيكون في قوة قولنا « أدعو زيداً » ـ إنشاءً لا إخباراً ـ فينطبق عليه ما ذكرناه فيما سبق. وإمَّا أن يدّعى أن حرف النداء باعتباره بنفسه منبهاً تكوينيّاً على حدّ المنبهية التكوينيّة لكلّ صوت فإطلاقه إِيجاد لما هو المنبّه تكويناً لا لما هو حاك ودال عليه بالدلالة اللفظية فيكون من الإطلاق الإيجادي لا الحكائي. ولكن حيث أنَّ المنبهيّة التكوينيّة لحرف النداء نسبتها إلى « زيد » وغيره على حدّ واحد فحيثما يراد تنبيه زيد بالخصوص لا بدَّ من دال آخر على أنَّ التنبيه لزيد ، والدال الآخر هو هيئة « يا زيد » فانَّها موضوعة لذلك وبهذا يظهر : أنَّه لا يمكن استبدال حرف النداء بأيّ صوت آخر له منبهية تكوينية ، لأنَّ الهيئة المتحصلة من ضمّ صوت آخر إلى « زيد » لم تكن موضوعة لإفادة توجّه النداء نحو « زيد » خاصة.
وعلى هذا الأساس نفرض أيضا الفرق بين نداء « زيد » و « يا زيد » فإنَّ نداء