يكون سببا لوجود العرض. وهاتان النسبتان قد تتطابقان وقد تفترقان ، فالحرارة تنتسب إلى النار بالمحلية والمنشئية معا بينما لا تنتسب إلى الماء إلا بالمحلية ، وإلى المجاورة مع النار إلا بالمنشئية.
والمحقق العراقي ( قده ) ـ شأن من عداه من علماء الأصول ـ فسر ذاتية العروض بكون المعروض محلا للعرض حقيقة ، ومن هنا حار في كيفية تطبيق هذا المعنى على العارض بواسطة أمر مساو كما جاء في تعريف الحكماء للعرض الذاتي. لأن الواسطة إذا كانت تقييدية تمنع عن كون ذي الواسطة محلا للعرض حقيقة وإذا كانت تعليلية فلا موجب لتخصيص الواسطة بالمساوي ما دام العروض على ذي الواسطة حقيقيا.
مع ان ظاهر الحكماء ان نظرهم في ذاتية العرض إلى النسبة الثانية أعني المنشئية والاستتباع ، فكل عرض كان ثبوته لموضوع بذاته أو لأمر يرجع إلى ذاته من دون أن يساهم في ذلك واسطة خارجة عن حريم الموضوع فهو عرض ذاتي وكل ما كان ثبوته لموضوعه بأمر خارج عن ذات الموضوع فعرض غريب.
وهذا التفسير لذاتية العرض وغرابته علاوة على انسجامه مع الأعراض المبحوث عنها في العلوم ـ على ما يأتي توضيحه في النقطة القادمة ـ هو المطابق مع كلمات الحكماء في تعريف العرض الذاتي في المقام وتوضيح ذلك : انهم جعلوا العرض الذاتي منحصرا في قسمين : ما يعرض بلا واسطة أو بواسطة أمر مساو وغيرهما عرض غريب. ولا وجه لهذا التقسيم إلا إذا أردنا بالعروض المنشئية والاستتباع ، فان العرض إذا كان يعرض بلا واسطة فالموضوع تمام المنشأ والعلة لاستتباع العرض وإذا كان يعرض بواسطة أمر مساو فالواسطة لا بد وأن تكون عارضة على الموضوع أيضا إما بلا واسطة فيكون موضوع هو تمام المنشإ في استتباعها واستتباع العرض أو بواسطة أمر مساو أيضا ـ لاستحالة عروضها بواسطة أمر أعم أو أخص وإلا كانت هي أيضا أعم أو أخص ـ فيكون كالواسطة الأولى المساوية من حيث منشئية الموضوع لاستتباعه ، من دون فرق في ذلك بين كون الواسطة داخلية أم خارجية.
لا يقال ـ ما يعرض على النوع بسبب الفصل يكون من العارض بواسطة أمر مساو مع أن المنشأ الحقيقي له الفصل لا النوع.