عن مقصوده ونقله إلى ذهن مخاطبه ، فاعتمد على القانون الثانوي الأول في استخدام الإشارات التعبيرية والتصويرية التي تنقل المعاني إلى الذهن على أساس التشابه ، ولما كان قد اعتاد ان ينتقل من الأصوات إلى أسبابها وأشكال مناشئها على أساس الاقتران الخارجي فقد اتجه إلى توسيع نطاق الاستفادة من الأصوات واستخدامها في مجال تفهيم الآخرين أيضا باستخدام القانون الثانوي الثاني عن طريق جعل لفظ أو صوت مخصوص مقترنا ومشروطا بمعنى مخصوص اقترانا أكيدا ناشئا من التكرار أو نتيجة عامل كيفي معين وبذلك نشأت العلقة الوضعيّة ، أعني السببية والاستتباع بين ذلك الصوت المخصوص والمعنى المخصوص.
وهكذا تولدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان وبدأت تتكامل وتتوسع من صيغ بدائية محدودة إلى صيغ متكاملة أكثر شمولا واستيعابا للألفاظ والمعاني.
هذا هو حقيقة الوضع ؛ فالواضع بحسب الحقيقة يمارس عملية الإقران بين اللفظ والمعنى بشكل أكيد بالغ ، وهذا الاقتران البالغ إذا كان على أساس العامل الكمي ـ كثرة التكرار ـ سمي بالوضع التعيني وإذا كان على أساس العامل الكيفي سمي بالوضع التعييني.
وفي ضوء هذا التحليل لحقيقة الوضع تتضح الأمور التالية :
١ ـ ان الوضع ليس مجعولا من المجعولات الإنشائية والاعتبارية كالتمليك بعوض المجعول في باب البيع مثلا. وإنما هو أمر تكويني يتمثل في أشراط مخصوص بين اللفظ والمعنى المحقق لصغرى قانون الاستجابة الشرطية الّذي هو قانون طبيعي.
وقد يستخدم الإنشاء لإيجاد هذا الأشراط ـ كما في الوضع التعييني ـ ولكن هذا لا يعني ان الأشراط هو المنشأ بل نفس الإنشاء بما هو عملية تكوينية تصدر خارجا يحقق الأشراط المطلوب.
٢ ـ ان الدلالة التي تتحقق بالوضع دلالة تصورية دائما ، ولهذا لا فرق في انتقال السامع إلى المعنى بين أن يسمعه من لافظ ذي شعور أو من جهة غير شاعرة كالجدار