مثلا ، لأن الاقتران الأكيد الّذي هو ملاك الدلالة الوضعيّة ثابت في الحالتين ولا مجال للتفكيك بينهما بعد أن تم الأشراط بين اللفظ والمعنى واما الدلالة الكاشفة عن إرادة التفهيم أو غير ذلك فهي موقوفة على ملاكات أخرى من ظهورات حالية وسياقية.
وبذلك يظهر وجه النّظر فيما وجهه السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ على القائلين بأن الدلالة الوضعيّة تصورية من أن الوضع حيث انه فعل اختياري للواضع الحكيم فإطلاقه لأمثال هذه الموارد التي لا يترتب على الوضع فيها أثر يكون لغوا وعبثا (١).
فان هذا مبني على افتراض الوضع مجعولا اعتباريا إنشائيا على حد ساير المجعولات التشريعية ، واما بعد إن عرفنا حقيقة الوضع في الاقتران المخصوص بين اللفظ والمعنى فلا يتصور إيجاد هذا الاقتران في حالة دون حالة ، بل أمره دائر بين الوجود والعدم لا الإطلاق والتقييد.
٣ ـ ويستخلص مما سبق توقف فعلية الدلالة الوضعيّة غالبا على العلم بالوضع ، لأنه إنما تتحقق الدلالة بالإشراط والاقتران فلا بد وأن يعيش الشخص ذهنيا حالة الأشراط والاقتران بين اللفظ والمعنى لينتقل إلى المعنى عند سماع اللفظ وهذا يكون غالبا على أساس العلم بالوضع ، وقد يحصل على أساس تلقيني ، كأن تقرن أمام طفل مثلا بين اللفظ والمعنى على نحو خاص فتحصل العلقة في ذهنه عن طريق هذا التلقين فتؤثر هذه العلقة أثرها وإن لم يكن الطفل عالما بنفس هذه العلقة.
اختلفوا في تشخيص الواضع بين اتجاهين الاتجاه القائل بإلهية الوضع والاتجاه القائل ببشريته.
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٥٢