هذا ، ولكن بالإمكان أن تذكر في قبال اتجاه بشرية الوضع مبعدات أخرى.
منها ـ انه كيف قدر لإنسان ما قبل اللغة البدائي أن يلتفت إلى إمكانية الاستفادة من الألفاظ ووضعها بإزاء المعاني لو لا إلهام من الله تعالى وتدخل منه بهذا الشأن.
ومنها ـ ان ظاهرة اللغة في ضوء المسالك المعروفة في تفسير الوضع تتطلب درجة بالغة من النضج الفكري والتطور الاجتماعي تؤهل الإنسان البدائي لفهم معاني التعهد والالتزام أو الجعل والاعتبار مع ان مثل هذه المرتبة من النضج العقلي والاجتماعي إنما حصل للإنسان في مراحل متأخرة عن صيرورته إنسانا اجتماعيا قادرا على التفهيم ونقل أفكاره إلى الآخرين.
ومنها ـ أنه لو سلم إدراك إنسان ما قبل اللغة لمثل هذه القضايا المعنوية الدقيقة مع ذلك يقال : كيف قدر لهذا الإنسان أن يفهم الآخرين ويتفاهم معهم ويتفق في تلك الأفكار لأنها ليست على حد القضايا الساذجة المحسوسة في الخارج لكي يمكن التفاهم عليها بالرموز والإشارات.
ومنها ـ أنه كيف نفسر اتفاق مجموعة من الناس على لغة معينة فهل كان ذلك من باب أنهم جميعا قد انقدح في أذهانهم صدفة أن لفظة الماء يناسب وضعها بإزاء المعنى المعين ولفظة الهواء بإزاء المعنى الآخر وهكذا ، وان ذلك حصل عند أحدهم ثم أتبعه فيه الآخرون والتزموا بقراره؟ اما الأول فبعيد جدا بحساب الاحتمالات.
واما الثاني ، فغير متناسب مع وضع إنسان ما قبل اللغة البدائي ، فان حالة التبعية الجماعية الرئيس أو شيخ عشيرة مثلا إنما حصلت في تاريخ الإنسان متأخرا عن ظاهرة اللغة بكثير.