من المحدثين المخالفين في القواعد للمجتهدين الماهرين ، والله الهادي لنا وله.
وكيف كان فالعدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا كما في المبسوط والسرائر ، والاستواء والاستقامة كما في المدارك وغيرها ، وربما احتمل أن العدالة من العدل ، وهو القصد في الأمر ضد الجور ، ولما كان الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ـ كما يظهر من الأخبار (١) وممن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع ، إذ احتمال إرادة النسبة إلى الشرع ولو مجازا منه بعيد ـ لم نحتج مع ذلك إلى تحقيق المعنى اللغوي ، ولا يهمنا إجمال ما سمعته من السرائر وغيرها ، وأمر المناسبة سهل ، بل لو لم نقل بالحقيقة الشرعية فيها فالمجاز الشرعي لا شك في ثبوته ، وهو كاف ، وهي في الشرع من متحد المعنى على الظاهر ، لا فرق فيها بالنسبة إلى كل ما اعتبرت فيه من شهادة وطلاق وغيرهما ، وما في بعض الأخبار (٢) من اعتبار بعض أمور في الشاهد غير معتبرة في غيره إنما هو من حيث الشهادة لا من حيث العدالة.
نعم قيل هي فيه الظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كما عن ابن الجنيد والمفيد والشيخ في الخلاف ، بل هو ظاهر مما حكي عن مبسوطة أيضا ، بل قربه في السرائر في باب الشهادات ، قال فيها : إن العدل من كان عدلا في دينه ، عدلا في مروته ، عدلا في أحكامه ، فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا ، وقيل أن لا يعرف بشيء من أسباب الفسق ، وهذا أيضا قريب ، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ولبس الثياب المصبغات للنساء وما أشبه ذلك ، والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا ، ومرادهم بالإسلام الايمان ، وإلا فظاهر
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الشهادات.