وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ » الحديد ـ ٢٥ . وهو في وزان قوله : « كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ » البقره ـ ٢١٣ . فالميزان كالفرقان هو الدين الذي يحكم بين الناس بالعدل مع ما ينضم اليه من المعارف ووظائف العبودية ، والله أعلم .
وقيل : المراد بالفرقان القرآن . وقيل : الدلالة الفاصلة بين الحق والباطل . وقيل : الحجة القاطعة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على من حاجه في أمر عيسى . وقيل : النصر . وقيل : العقل . والوجه ما قدمناه .
قوله تعالى : إن الذين كفروا بآيات الله الى قوله ذو انتقام ، علی ما قيل مجازاة المسيء على إساءته ، وليس من لازم المعنى أن يكون للتشفى ، فإن ذلك من لوازم الانتقامات التي بيننا حيث إن إساءة المسيء يوجب منقصة وضرراً في جانبنا فنتدارك ذلك بالمجازاة الشديدة التي توجب تشفي قلوبنا ، وأما هو تعالى فأعز ساحة من أن ينتفع أو يتضرر بشيء من أعمال عباده ، لكنه وعد ـ وله الوعد الحق ـ أن سيقضي بين عباده بالحق إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً . قال تعالى : « وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ » غافر ـ ٢٠ ، وقال تعالى : « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » النجم ـ ٣١ . كيف وهو عزيز على الإطلاق منيع الجانب من أن ينتهك محارمه . وقد قيل إن الأصل في معنى العزة الامتناع .
وقوله تعالى : إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ، من حيث إطلاق العذاب وعدم تقييده بالآخرة أو يوم القيمة ربما تضمن الوعيد بالعذاب في الدنيا كما في الآخرة . وهذا من الحقائق القرآنية التي ربما قصر الباحثون في استيفاء البحث عنه وليس ذلك إلا لكوننا لا نعد شيئاً عذاباً إلا إذا اشتمل على شيء من الآلام الجسمانية ، أو نقص أو فساد في النعم المادية كذهاب الأموال وموت الأعزة ونقاهة الأبدان ، مع أن الذي يعطيه القرآن بتعليمه أمر وراء ذلك .
كلام في معنى العذاب في القرآن
القرآن يعد معيشة الناسي لربه ضنكاً وإن
اتسعت في أعيننا كل الاتساع .