هذا الإثبات والإمحاء في المجتمع الإنساني ظهور الملك والسلطنة وزواله ، وعد الحيوة والموت مصدرين للآثار من العلم والقدرة كما قال تعالى : « أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ » النحل ـ ٢١ ، وخص العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين حيث قال : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » المنافقون ـ ٨ ، وهم الذين يذكرهم بالحيوة فصارت العزة والذلة مظهرين في المجتمع الإنساني للحيوة والموت ، ولهذا قابل ما ذكره في الآية الاولى من إيتاء الملك ونزعه والإعزاز والإذلال بما في الآية الثانية من إيلاج الليل في النهار وعكسه وإخراج الحي من الميت وعكسه .
ثم وقعت المقابلة بين ما ذكره في الآية الثانية : وترزق من تشاء بغير حساب ، وما ذكره في الآية الاولى : بيدك الخير ، كما سيجيء بيانه .
قوله تعالى : وترزق من تشاء بغير حساب ، المقابلة المذكورة آنفاً تعطي أن يكون قوله : وترزق « إلخ » بياناً لما سبقه من إيتاء الملك والعز والإيلاج وغيره ، فالعطف عطف تفسير فيكون من قبيل بيان الخاص من الحكم بما هو أعم منه كما أن قوله : بيدك الخير ، بالنسبة الى ما سبقه من هذا القبيل ؛ والمعنى : إنك متصرف في خلقك بهذه التصرفات لأنك ترزق من تشاء بغير حساب .
معنى الرزق في القرآن
الرزق معروف والذي يتحصل من موارد استعماله أن فيه شوباً من معنى العطاء كرزق الملك الجندي ويقال لما قرره الملك لجنديه مما يؤتاه جملة : رزقة ، وكان يختص بما يتغذى به لا غير كما قال تعالى : « وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » البقرة ـ ٢٣٣ ، فلم يعد الكسوة رزقاً .
ثم توسع في معناه فعد كل ما يصل الإنسان
من الغذاء رزقاً كأنه عطية بحسب الحظ والجد وإن لم يعلم معطيه ، ثم عمم فسمى كل ما يصل الى الشيء مما ينتفع به رزقاً
وإن لم يكن غذائاً كسائر مزايا الحيوة من مال وجاه وعشيرة وأعضاد وجمال وعلم وغير ذلك ، قال تعالى : « تَسْأَلُهُمْ
خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
» المؤمنون ـ ٧٢ ، وقال : فيما يحكي عن شعيب « قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن
كُنتُ عَلَىٰ