التفرق والشقاق فيه ، وجعله هو الأصل ، فقال تعالى : « وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ » الأنعام ـ ١٥٣ ، وقال تعالى : « قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » آل عمران ـ ٦٤ ، فالقرآن ـ كما ترى ـ لا يدعو الناس إلا إلى التسليم لله وحده ويعتبر من المجتمع الديني ، ويدحض ما دون ذلك من عبادة الأنداد ، والخضوع لكل قصر مشيد ، ومنتدي رفيع ، وملك قيصري وكسروي ، والتفرق بافراز الحدود وتفريق الأوطان وغير ذلك .
( بحث فلسفي )
لا ريب أن الواجب تعالى هو الذي تنتهي إليه سلسلة العلية في العالم ، وأن الرابطة بينه وبين العالم جزءاً وكلاً هي رابطة العلية ، وقد تبين في أبحاث العلة والمعلول أن العلية إنما هي في الوجود بمعنى أن الوجود الحقيقي في المعلول هو المترشح من وجود علته ، وأما غيره كالماهية فهو بمعزل عن الترشح والصدور والافتقار إلى العلة ؛ وينعكس بعكس النقيض إلى أن ما لا وجود حقيقي له فليس بمعلول ولا منته إلى الواجب تعالى .
ويشكل الأمر في استناد الامور الاعتبارية المحضة إليه تعالى إذ لا وجود حقيقي لها أصلاً ، وإنما وجودها وثبوتها ثبوت اعتباري لا يتعدى ظرف الاعتبار والوضع وحيطة الفرض ؛ وما يشتمل عليه الشريعة من الأمر والنهى والأحكام والأوضاع كلها امور اعتبارية فيشكل نسبتها إليه تعالى ، وكذا أمثال الملك والعز والرزق وغير ذلك .
والذي تحل به العقدة أنها وإن كانت عارية
عن الوجود الحقيقي إلا أن لها آثاراً هي الحافظة لأسمائها كما مر مراراً ، وهذه الآثار امور حقيقية مقصودة بالاعتبار ولها نسبة إليه تعالى فهذه النسبة هي المصححة لنسبتها فالملك الذي بيننا
أهل الاجتماع وإن كان أمراً اعتبارياً وضعياً لا نصيب لمعناه من الوجود الحقيقي ، وإنما
هو