على أن قوله تعالى : هنالك دعا زكريا ربه « الخ » ، يدل على أن زكريا تلقى وجود هذا الرزق عندها كرامة إلهية خارقة فأوجب ذلك أن يسأل الله أن يهب له من لدنه ذرية طيبة ، فقد كان الرزق رزقاً يدل بوجوده على كونه كرامة من الله سبحانه لمريم الطاهرة ، ومما يشعر بذلك قوله تعالى : قال يا مريم « الخ » على ما سيجيء من البيان .
وقوله : قال يا مريم أنی لك « الخ » فصل الكلام من غير أن يعطف على قوله : وجد عندها رزقاً ، يدل على أنه عليهالسلام إنما قال لها ذلك مرة واحدة فأجابت بما قنع به واستيقن أن ذلك كرامة لها وهنالك دعا وسأل ربه ذرية طيبة .
قوله تعالى : هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة « الخ » ، طيب الشيء ملائمته لصاحبه فيما يريده لأجله ، فالبلد الطيب ما يلائم حيوة أهله من حيث الماء والهواء والرزق ونحو ذلك ، قال تعالى : « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ » الأعراف ـ ٥٨ ، والعيشة الطيبة والحيوة الطيبة ما يلائم بعض أجزائها بعضاً ويسكن اليها قلب صاحبها ومنه الطيب للعطر الزكي فالذرية الطيبة هو الولد الصالح لأبيه مثلاً الذي يلائم من حيث صفاته وأفعاله ما عند أبيه من الرجاء والامنية فقول زكريا عليهالسلام : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ، لما كان الباعث له عليه ما شاهد من أمر مريم وخصوص كرامتها على الله وامتلاء قلبه من شأنها لم يملك من نفسه دون أن يسأل الله أن يهب له مثلها خطراً وكرامة ، فكون ذريته طيبة أن يكون لها ما لمريم من الكرامة عند الله والشخصية في نفسها ، ولذلك استجيب في عين ما سأله من الله ، ووهب له يحيى وهو أشبه الأنبياء بعيسى عليهما السلام ، وأجمع الناس لما عند عيسى وامه مريم الصديقة من صفات الكمال والكرامة ، ومن هنا ما سماه تعالى بيحيى وجعله مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ، وهذه أقرب ما يمكن أن يشابه بها إنسان مريم وابنه عيسى عليهما السلام على ما سنبينه ان شاء الله تعالى .
قوله تعالى : فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى إلى آخر الآية ، ضمائر الغيبة والخطاب لزكريا ، والبشرى والإبشار والتبشير الإخبار بما يفرح الإنسان بوجوده .
وقوله : أن الله يبشرك بيحيی ، دليل
على أن تسميته بيحيى إنما هو من جانب