الله سبحانه كما تدل عليه نظائر هذه الآيات في سورة مريم ، قال تعالى : « يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا » مريم ـ ٧ .
وتسميته بيحيى وكون التسمية من عند الله سبحانه في بدء ما بشر به زكريا قبل تولد يحيى وخلقه يؤيد ما ذكرناه آنفاً : أن الذي طلبه زكريا من ربه أن يرزقه ولداً يكون شأنه شأن مريم ، وقد كانت مريم هي وابنها عيسى عليهما السلام آية واحدة كما قال تعالى : « وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ » الأنبياء ـ ٩١ .
فروعي في يحيى ما روعي فيهما من عند الله سبحانه ، وقد روعي في عيسى كمال ما روعي في مريم ، فالمرعي في يحيى هو الشبه التام والمحاذاة الكاملة مع عيسى عليهما السلام فيما يمكن ذلك ، ولعيسى في ذلك كله التقدم التام لأن وجوده كان مقدراً قبل استجابة دعوة زكريا في حق يحيى ، ولذلك سبقه عيسى في كونه من اولي العزم صاحب شريعة وكتاب وغير ذلك لكنهما تشابها وتشابه أمرهما فيما يمكن .
وإن شئت تصديق ما ذكرناه فتدبر فيما ذكر الله تعالى من قصتهما في سورة مريم فقال في يحيى : « يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ـ الى أن قال ـ : يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا » مريم ـ ١٥ ، وقال في عيسى عليهالسلام : « فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا الى أن قال : إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ـ الى أن قال ـ : قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ـ الى أن قال ـ : فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا » مريم ـ ٣٣ ، ويقرب منها من حيث الدلالة على تقارب أمرهما آيات هذه السورة التي نحن فيها عند التطبيق .
وبالجملة فقد سماه الله سبحانه يحيى وسمى
ابن مريم عيسى وهو بمعنى « يعيش » على ما قيل وجعله مصدقاً بكلمة منه وهو عيسى كما قال تعالى : « بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى » وآتاه الحكم وعلمه
الكتاب صبياً كما فعل بعيسى ، وعده حناناً من لدنه وزكاة وبراً بوالديه غير جبار كما كان عيسى كذلك ، وسلم عليه في المواطن الثلاث