رمزاً إلى آخر الآية ، قال في المجمع : الرمز الايماء بالشفتين ، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجب والعين واليد ، والأول أغلب ، انتهى ، والعشي الطرف المؤخر من النهار ، وكأنه مأخوذ من العشوة وهي الظلمة الطارئة في العين المانعة عن الإبصار فأخذوا ذلك وصفاً للوقت لرواحه إلى الظلمة ، والإبكار صدر النهار والطرف المقدم منه ، والأصل في معناه الاستعجال .
ووقوع هذه الآية في ولادة يحيى من وجوه المضاهاة بينه وبين عيسى فإنها تضاهي قول عيسى لمريم بعد تولده : « فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا » مريم ـ ٢٦ .
وسؤاله عليهالسلام من ربه أن يجعل له آية ـ والآية هي العلامة الدالة على الشيء ـ هل هو ليستدل به على أن البشارة إنما هي من قبل ربه ، وبعبارة أُخرى هو خطاب رحماني ملكي لا شيطاني ؟ أو لأنه أراد أن يستدل بها على حمل امرأته ، ويعلم وقت الحمل ، خلاف بين المفسرين .
والوجه الثاني لا يخلو عن بعد من سياق الآيات وجريان القصة لكن الذي أوجب تحاشي القوم عن الذهاب الى أول الوجهين أعني كون سؤال الآية لتمييز أن الخطاب رحماني هو ما ذكروه : أن الأنبياء لعصمتهم لا بد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك ووسوسة الشيطان ، ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق الإفهام .
وهو كلام حق لكن يجب أن يعلم أن تعرفهم إنما هو بتعريف الله تعالى لهم لا من قبل أنفسهم واستقلال ذواتهم ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يتعرف زكريا من ربه أن يجعل له آية يعرف به ذلك ؟ وأي محذور في ذلك ؟ نعم لو لم يستجب دعائه ولم يجعل الله له آية كان الإشكال في محله .
على أن خصوصية نفس الآية ـ وهي عدم التكليم
ثلاثة أيام ـ تؤيد بل تدل على ذلك فإن الشيطان وإن أمكن أن يمس الأنبياء في أجسامهم أو بتخريب أو إفساد في ما يرجونه من نتائج أعمالهم في رواج الدين واستقبال الناس أو تضعيف أعداء الدين
كما يدل عليه قوله تعالى : « وَاذْكُرْ
عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ