بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ » ص ـ ٤١ ، وقوله تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ الآية » الحج ـ ٥٢ ، وقوله تعالى : « فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ » الكهف ـ ٦٣ .
لكن هذه وأمثالها من مس الشيطان وتعرضه لا تنتج إلا إيذاء النبي وأما مسه الأنبياء في نفوسهم فالأنبياء معصومون من ذلك ، وقد مر في ما تقدم من المباحث إثبات عصمتهم عليهم السلام .
والذي جعله الله تعالى آية لزكريا على ما يدل عليه قوله : آيتك أن لا تكلم الناس ثلثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار هو أنه كان لا يقدر ثلثة أيام على تكليم أحد ويعتقل لسانه إلا بذكر الله وتسبيحه ، وهذه آية واقعة على نفس النبي ولسانه وتصرف خاص فيه لا يقدر عليه الشيطان لمكان العصمة فليس إلا رحمانياً وهذه الآية كما ترى متناسبة مع الوجه الأول دون الوجه الثاني .
فان قلت : لو كان الأمر كذلك فما معنى قوله : قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك يفعل الله ما يشاء الآية ، فإن ظاهره أنه خاطب ربه وسأله ما سأل ثم أُجيب بما أُجيب فما معنى هذه المخاطبة لو كان شاكاً في أمر النداء ؟ ولو لم يكن شاكاً عندئذ فما معنى سؤال التمييز ؟
قلت : مراتب الركون والاعتقاد مختلفة فمن الممكن أن يكون قد اطمأنت نفسه على كون النداء رحمانياً من جانب الله ثم يسأل ربه كيفية الولادة التي كانت تتعجب منه نفسه الشريفة كما مر فيجاب بنداء آخر ملكي تطمئن إليه نفسه ثم يسأل ربه آية توجب اليقين بأنه كان رحمانياً فيزيد بذلك وثوقاً وطمأنينة .
ومما يؤيد ذلك قوله تعالى : فنادته الملائكة ، فإن النداء إنما يكون من بعيد ولذلك كثر اطلاق النداء في مورد الجهر بالقول لكونه عندنا من لوازم البعد ، وليس بلازم بحسب أصل معنى الكلمة كما يشهد به قوله تعالى في ما حكى فيه دعاء زكريا : « إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا » مريم ـ ٣ ، فقد أطلق عليه النداء بعنايه تذلل زكريا وتواضعه قبال تعزز الله سبحانه وترفعه وتعاليه ، ثم وصف النداء بالخفاء ، فالكلام لا يخلو عن إشعار بكون زكريا لم ير الملك نفسه ، وإنما سمع صوتاً يهتف به هاتف .