والذي يؤيده اتصال آيات السورة سياقاً كما مرت الإشارة إليه في أول السورة : أن الآية نزلت قبل سنة تسع ، وأن قصة الوفد إنما وقعت في سنة ست من الهجرة أو قبلها ، ومن البعيد أن يكاتب صلىاللهعليهوآلهوسلم عظماء الروم والقبط وفارس ويغمض عن نجران مع قرب الدار .
وفي الرواية نكتة اخرى وهي تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنه يظهر ما في بعض ما نقلناه من الروايات في قصة وفد نجران كما عن البيهقي في الدلائل : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان : بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمد رسول الله إلى اسقف نجران إن أسلمتم فإني أحمد اليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وإلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية ، وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسلام ، الحديث .
وذلك أن سورة النمل من السور المكية ومضامين آياتها كالنص في أنها نزلت قبل هجرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكيف يجتمع ذلك مع قصة نجران على أن الكتاب يشتمل على امور اخر لا يمكن توجيهها كحديث الجزية والإيذان بالحرب وغير ذلك ، والله أعلم .
وفي الدر المنثور أخرج الطبراني عن ابن عباس : أن كتاب رسول الله إلى الكفار : تعالوا إلی كلمة سواء بيننا وبينكم الآية .
وفي الدر المنثور أيضاً في قوله تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون الآية أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهودياً ، وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانياً فأنزل الله فيهم : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده إلى قوله : والله ولي المؤمنين ، فقال أبو رافع القرظي (١) : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران : أذلك تريد يا محمد ؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : معاذ الله أن أعبد غير الله ، أو آمر بعبادة غيره ، ما بذلك بعثني ولا
__________________
(١) من يهود بني قريظة .