هذا النبي المكرم ورفع بها قدره ، وهي على قسمين : اكتسابية كالعبودية والقرب والصلاح ، واختصاصية ، وقد شرحنا كلاً منها في الموضع المناسب له من هذا الكتاب بما نطيق فهمه فليرجع فيها الى مظانها منه .
٣ ـ ما الذي قاله عيسى عليه السلام ؟ وما الذي قيل فيه ؟
ذكر القرآن أن عيسى كان عبداً رسولاً ، وأنه لم يدع لنفسه ما نسبوه اليه ، ولا تكلم معهم إلا بالرسالة ؛ كما قال تعالى : « وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ » المائدة ١١٦ ـ ١١٩ .
وهذا الكلام العجيب الذي يشتمل من العبودية على عصارتها ، ويتضمن من بارع الأدب على مجامعه يفصح عما كان يراه عيسى المسيح عليهالسلام من موقفه نفسه تلقاء ربوبية ربه ، وتجاه الناس وأعمالهم فذكر أنه كان يرى نفسه بالنسبة الى ربه عبداً لا شأن له إلا الامتثال لا يرد إلا عن أمر ، ولا يصدر إلا عن أمر ، ولم يؤمر إلا بالدعوة الى عبادة الله وحده ولم يقل لهم إلا ما امر به : أن اعبدوا الله ربي وربكم .
ولم يكن له من الناس إلا تحمل الشهادة على أعمالهم فحسب ، وأما ما يفعله الله فيهم وبهم يوم يرجعون اليه فلا شأن له في ذلك ؛ غفر أو عذب .
فان قلت : فما معنى ما تقدم في الكلام على الشفاعة : أن عيسى عليهالسلام من الشفعاء يوم القيامة يشفع فيشفع ؟
قلت
: القرآن صريح أو كالصريح في ذلك ، قال تعالى
: « وَلَا
يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ » الزخرف ـ ٨٦ ، وقد
قال تعالى فيه : « وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
» النساء ـ ١٥٩ ، وقال تعالى : « وَإِذْ