وإنما اقتصر فيه على هذا المعنى المشترك لأن الذي يرد على أقوالهم في خصوص المسيح عليهالسلام على كثرتها وتشتتها مما يحتج به القرآن أمر واحد يرد على وتيرة واحدة كما سيتضح .
٤ ـ احتجاج القرآن على مذهب التثليث
يرد القرآن في الاحتجاج ، ويرد قول المثلثة من طريقين ، أحدهما : الطريق العام ، وهو بيان استحالة الابن عليه تعالى في نفسه أي سواء كان عيسى هو الابن أو غيره ، الثاني : الطريق الخاص وهو بيان أن عيسى بن مريم ليس ابناً إلهاً بل عبد مخلوق .
أما الطريق الأول فتوضيحه أن حقيقة البنوة والتولد هو أن يجزء واحد من هذه الموجودات الحية المادية كالإنسان والحيوان بل النبات أيضاً شيئاً من مادة نفسه ثم يجعله بالتربية التدريجية فرداً آخر من نوعه مماثلاً لنفسه يترتب عليه من الخواص والآثار ما كان يترتب على المجزى منه كالحيوان يفصل من نفسه النطفة ، والنبات يفصل من نفسه اللقاح ثم يأخذ في تربيته تدريجاً حتى يصيره حيواناً أو نباتاً آخر مماثلاً لنفسه ، ومن المعلوم أن الله سبحانه يمتنع عليه ذلك : أما اولا فلاستلزامه الجسمية المادية ، والله سبحانه منزه من المادة ولوازمها الافتقارية كالحركة والزمان والمكان وغير ذلك ، وأما ثانيا فلأن الله سبحانه لإطلاق أُلوهيته وربوبيته له القيومية المطلقة على ما سواه فكل شيء سواه مفتقر الوجود اليه قائم الوجود به فكيف يمكن فرض شيء غيره يماثله في النوعية يستقل عنه بنفسه ، ويكون له من الذات والأوصاف والأحكام ما له من غير افتقار اليه ، وأما ثالثا فلأن جواز الإيلاد والاستيلاد عليه تعالى يستلزم جواز الفعل التدريجي عليه تعالى ، وهو يستلزم دخوله تحت ناموس المادة والحركة وهو خلف بل ما يقع بإرادته ومشيته تعالى إنما يقع من غير مهلة وتدريج .
وهذا البيان هو الذي يفيده قوله تعالى :
« وَقَالُوا
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
» البقرة ـ ١١٧ ، وعلى ما قربناه فقوله : سبحانه برهان ، وقوله : له ما في السموات والأرض كل له قانتون برهان آخر ، وقوله : بديع