والأناجيل أيضاً مشحونة في دعوته الى الله سبحانه ، وهي وإن لم تشتمل على هذا اللفظ الجامع ( اعبدوا الله ربي وربكم ) لكنها مشتملة على الدعوة إلى عبادة الله ، وعلى اعترافه بأنه ربه الذي بيده زمام أمره ، وعلى اعترافه بأنه رب الناس ، ولا تتضمن دعوته إلى عبادة نفسه صريحاً ولا مرة مع ما فيها من قوله : « أنا وأبي واحد نحن » إنجيل يوحنا ـ الإصحاح العاشر ، فمن الواجب أن يحمل على تقدير صحته على أن المراد : أن إطاعتي إطاعة الله كما قال تعالى في كتابه الكريم : « مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ » النساء ـ ٨٠ .
٥ ـ المسيح من الشفعاء عند الله وليس بفاد :
زعمت النصارى : ان المسيح فداهم بدمه الكريم ، ولذلك لقبوه بالفادي ، قالوا : إن آدم لما عصي الله بالأكل من الشجرة المنهية في الجنة أخطأ بذلك ولزمته الخطيئة ، وكذلك لزمت ذريته من بعده ما توالدوا وتناسلوا ، وجزاء الخطيئة العقاب في الآخرة والهلاك الأبدي الذي لا مخلص منه ، وقد كان الله سبحانه رحيماً عادلاً .
فبدا إذ ذاك إشكال عويص لا انحلال له ، وهو أنه لو عاقب آدم وذريته بخطيئتهم كان ذلك منافياً لرحمته التي لها خلقهم ، ولو غفر لهم كان ذلك منافياً لعدله فإن مقتضى العدل أن يعاقب المجرم الخاطي بجرمه وخطيئته كما أن مقتضاه أن يثاب المحسن المطيع بإحسانه وإسائته (١) .
ولم تزل هذه العويصة على حالها حتى حلها ببركة المسيح ، وذلك بأن حل المسيح ( وهو ابن الله ، وهو الله نفسه ) رحم واحدة من ذرية آدم وهو مريم البتول وتولد منها كما يتولد إنسان فكان بذلك إنساناً كاملاً لأنه ابن إنسان ، وإلهاً كاملاً لأنه ابن الله ، وابن الله هو الله ( تعالى ) معصوماً عن جميع الذنوب والخطايا .
وبعد أن عاش بين الناس برهة يسيرة من الزمان يعاشرهم ويخالطهم ، ويأكل ويشرب معهم ، ويكلمهم ويستأنس بهم ، ويمشي فيهم تسخر لأعدائه ليقتلوه شر
__________________
(١) هذا ما عليه معظمهم ويظهر من بعضهم كالقسيس مار اسحق ان التخلف في مجازاة الجريمة والخطيئة وبعبارة اخرى خلف الوعيد جائز دون خلف الوعد .