ونظير هذا الوجه جار في تعليلهم قولهم : وهب لنا من لدنك رحمة ، بقولهم : إنك أنت الوهاب ، فكونه تعالى وهاباً يعلل به سؤالهم الرحمة ، وإتيانهم بلفظة أنت وتعريف الخبر باللام المفيد للحصر يعلل به قولهم : من لدنك ، الدال على الاختصاص ، وكذا يجري مثل الوجه في قولهم : ربنا لا تزغ قلوبنا ، حيث عقبوه بما يجري مجرى العلة بالنسبة اليه ، وهو قولهم : بعد إذ هديتنا ، وقد مر آنفاً أن قولهم : آمنا به ، من حيث تعقيبه بقولهم : كل من عند ربنا ، من هذا القبيل أيضاً .
فهؤلاء رجال آمنوا بربهم وثبتوا عليه فهداهم الله سبحانه ، وكمل عقولهم فلا يقولون الا عن علم ، ولا يفعلون الا عن علم فسماهم الله تعالى راسخين في العلم ، وكنى عنهم باولي الألباب ، وأنت اذا تدبرت ما عرف الله به اولي الألباب وجدته منطبقاً على ما ذكره من شأنهم في هذه الآيات ، قال تعالى : « وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ » الزمر ـ ١٨ . فوصفهم بالإيمان ، واتباع أحسن القول ، والإنابة الى الله سبحانه ، وقد وصف بهذه الأوصاف الراسخين في العلم في هذه الآيات .
وأما الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله : ان الله لا يخلف الميعاد فلأن هذا الميعاد لا يختص بهم بل يعمهم وغيرهم فكان الأولى تبديل قولهم : ربنا ، الى لفظة الجلالة لأن حكم الالوهية عام شامل لكل شيء .
كلام تفصيلي في المحكم والمتشابه والتأويل
هذا الذي أوردناه من الكلام في معنى المحكم والمتشابه والتأويل فيما مر هو الذي يتحصل من تدبر كلامه سبحانه ، ويستفاد من المأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام سيجيء في البحث الروائي .
لكن القوم اختلفوا في المقام ، وقد شاع الخلاف
واشتد الانحراف بينهم ، وينسحب ذيل النزاع والمشاجرة الى الصدر الأول من مفسري الصحابة والتابعين ، وقلما يوجد في ما نقل الينا من كلامهم ما يقرب مما مر من البيان فضلاً عن أن ينطبق