كان المراد به كونه ذا دليل واضح لائح من نفس الكتاب وعدم كونه كذلك فجميع الآيات من هذه الجهة على وتيرة واحدة ، وكيف لا ؟ وهو كتاب متشابه مثاني ، ونور ، ومبين ، ولازمه كون الجميع محكماً وارتفاع المتشابه المقابل له من الكتاب وهو خلف الفرض وخلاف النص .
سادسها : أن المحكم كل ما أمكن تحصيل العلم به بدليل جلي أو خفي ، والمتشابه ما لا سبيل إلى العلم به كوقت قيام الساعة ونحوه .
وفيه : أن الأحكام والتشابه وصفان لآية الكتاب من حيث أنها آية أي دالة على معرفة من المعارف الإلهية ، والذي تدل عليه آية من آيات الكتاب ليس بعادم للسبيل ، ولا ممتنع الفهم إما بنفسه أو بضميمة غيره ، وكيف يمكن أن يكون هناك أمر مراد من لفظ الآية ولا يمكن نيله من جهة اللفظ ؟ مع أنه وصف كتابه بأنه هدى ، وأنه نور ، وأنه مبين ، وأنه في معرض فهم الكافرين فضلاً عن المؤمنين حيث قال : « تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ » حم السجدة ـ ٤ ، وقال تعالى : « أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا » النساء ـ ٨٢ ، فما تعرضت له آية من آيات الكتاب ليس بممتنع الفهم ، ولا الوقوف عليه مستحيل ، وما لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت قيام الساعة وسائر ما في الغيب المكنون لم يتعرض لبيانه آية من الآيات بلفظها حتى تسمى متشابهاً .
على أن في هذا القول خلطاً بين معنى المتشابه وتأويل الآية كما مر .
سابعها : أن المحكمات آيات الأحكام والمتشابهات غيرها مما يصرف بعضها بعضاً ، نسب هذا القول إلى مجاهد وغيره .
وفيه : أن المراد بالصرف الذي ذكره إن كان
مطلق ما يعين على تشخيص المراد باللفظ حتى يشمل مثل التخصيص بالمخصص ، والتقييد بالمقيد وسائر القرائن المقامية كانت آيات الأحكام أيضاً كغيرها متشابهات ، وإن كان خصوص ما لا إبهام في دلالته على المراد ولا كثرة في محتملاته حتى يتعين المراد به بنفسه ، ويتعين المراد
بغيره بواسطته كان لازم كون ما سوى آيات الأحكام متشابهة أن لا يحصل العلم بشيء