والمتشابه ، وكلاهما مما يمكن أن يحصل به العلم ، والذي لا يمكن نيله والعلم به هو تأويل المتشابهات بمعنى حقيقة المعاني التي تدل عليها أمثال آيات الصفات ، فهب أنّا علمنا معنى قوله : إن الله على كل شيء قدير ، وإن الله بكل شيء عليم ونحو ذلك لكنا لا ندري حقيقة علمه وقدرته وسائر صفاته وكيفية أفعاله الخاصة به ؛ فهذا هو تأويل المتشابهات الذي لا يعلمها إلا الله تعالى ، انتهى ملخصاً ، وسيأتي ما يتعلق بكلامه من البحث عندما نتكلم في التأويل إنشاء الله .
الثالث عشر : أن المحكم ما للعقل إليه سبيل والمتشابه بخلافه .
وفيه : أنه قول من غير دليل ، والآيات القرآنية وإن انقسمت إلى ما للعقل إليه سبيل وما ليس للعقل إليه سبيل ، لكن ذلك لا يوجب كون المراد بالمحكم والمتشابه فيهذه الآية استيفاء هذا التقسيم ، وشيء مما ذكر فيها من نعوت المحكم والمتشابه لا ينطبق عليه انطباقاً صحيحاً ، على أنه منقوض بآيات الأحكام فإنها محكمة ولا سبيل للعقل إليها .
الرابع عشر : أن المحكم ما اريد به ظاهره والمتشابه ما اريد به خلاف ظاهره ، وهذا قول شائع عند المتأخرين من أرباب البحث ، وعليه يبتني اصطلاحهم في التأويل : أنه المعنى المخالف لظاهر الكلام ، وكأنه ايضاً مراد من قال : إن المحكم ما تأويله تنزيله : والمتشابه ما لا يدرك إلا بالتأويل .
وفيه : أنه اصطلاح محض لا ينطبق عليه ما
في الآية من وصف المحكم والمتشابه فإن المتشابه إنما هو متشابه من حيث تشابه مراده ومدلوله ، وليس المراد بالتأويل المعنى المراد من المتشابه حتى يكون المتشابه متميزاً عن المحكم بأن له تأويلاً ، بل
المراد بالتأويل في الآية أمر يعم جميع الآيات القرآنية من محكمها ومتشابهها كما مر
بيانه على أنه ليس في القرآن آية اريد فيها ما يخالف ظاهرها ، وما يوهم ذلك من الآيات إنما
اريد بها معان يعطيها لها آيات اخر محكمة ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، ومن المعلوم
أن المعنى الذي تعطيه القرائن ـ متصلة او منفصلة ـ للفظ ليس بخارج عن ظهوره وبالخصوص في كلام نص متكلمه على أن ديدنه أن يتكلم بما يتصل بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ويرتفع كل اختلاف وتناف مترائي بالتدبر فيه ، قال تعالى : « أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
» النساء ـ ٨٢