٥ ـ ما هو السبب في اشتمال الكتاب على المتشابه ؟
ومن الاعتراضات التي اوردت على القرآن الكريم الاعتراض باشتماله على المتشابهات وهو أنكم تدعون أن تكاليف الخلق الى يوم القيامة فيه ، وأنه قول فصل يميز بين الحق والباطل ، ثم إنا نراه يتمسك به كل صاحب مذهب من المذاهب المختلفة بين المسلمين لإثبات مذهبه ، وليس ذلك إلا لوقوع التشابه في آياته ؛ أفليس أنه لو جعله جلياً نقياً عن هذه المتشابهات كان أقرب إلى الغرض المطلوب ، وأقطع لمادة الخلاف والزيغ ؟
وأُجيب عنه بوجوه من الجواب بعضها ظاهر السخافة كالجواب بأن وجود المتشابهات يوجب صعوبة تحصيل الحق ومشقة البحث وذلك موجب لمزيد الأجر والثواب ! وكالجواب بأنه لو لم يشتمل إلا على صريح القول في مذهب لنفر ذلك سائر أرباب المذاهب فلم ينظروا فيه ، لكنه لوجود التشابه فيه أطمعهم في النظر فيه وكان في ذلك رجاء أن يظفروا بالحق فيؤمنوا به ! وكالجواب بأن اشتماله على المتشابه أوجب الاستعانة بدلالة العقل ، وفي ذلك خروج عن ظلمة التقليد ودخول في ضوء النظر والاجتهاد ! وكالجواب بأن اشتماله على المتشابه أوجب البحث عن طرق التأويلات المختلفة ، وفي ذلك فائدة التضلع بالفنون المختلفة كعلم اللغة والصرف والنحو واصول الفقه !
فهذه أجوبة سخيفة ظاهرة السخافة بأدنى نظر ؛ والذي يستحق الإيراد والبحث من الأجوبة وجوه ثلثة :
الأول : أن اشتمال القرآن الكريم على المتشابهات لتمحيص القلوب في التصديق به ، فإنه لو كان كل ما ورد في الكتاب معقولاً واضحاً لا شبهة فيه عند أحد لما كان في الإيمان شيء من معنى الخضوع لأمر الله تعالى والتسليم لرسله .
وفيه
: أن الخضوع هو نوع انفعال وتأثر من الضعيف
في مقابل القوي ، والإنسان إنما يخضع لما يدرك عظمته أو لما لا يدركه لعظمته وبهوره الإدراك كقدرة الله غير المتناهية وعظمته غير المتناهية وسائر صفاته التي إذا واجهها العقل رجع القهقرى لعجزه عن الإحاطة بها ، وأما الامور التي لا ينالها العقل لكنه يغتر ويغادر باعتقاد