فإنا من جهة سبق عهد الذهن بالقصة أو الأمر الممثل له نجرد المثل عن الخصوصيات المكتنفة بالكلام كالصباح والقوم والسرى ، ونفهم من ذلك أن المراد : أن حسن تأثير عمل وتحسين فعله إنما يظهر إذا فرغ منه وبدا أثره ، وأما هو ما دام الانسان مشتغلاً به محساً تعب فعله فلا يقدر قدره ، ويظهر ذلك تجريد ما تمثل به من الشعر ، وأما إذا لم نعهد الممثل وجمدنا على الشعر أو المثل خفي عنا الممثل وعاد المثل خبراً من الأخبار ، ولو لم نجمد وانتقلنا إجمالاً الى أنه مثل لم يمكنا تشخيص المقدار الذي يجب طرحه بالتجريد وما يجب حفظه للفهم وهو ظاهر .
ولا مخلص عن هذين المحذورين إلا بتفريق المعاني الممثل لها الى أمثال مختلفة ، وتقليبها في قوالب متنوعة حتى يفسر بعضها بعضاً ، ويوضح بعضها أمر بعض ، فيعلم بالتدافع الذي بينها أولاً : أن البيانات أمثال ولها في ما ورائها حقائق ممثلة ، وليست مقاصدها ومرادتها مقصورة على اللفظ المأخوذ من مرتبة الحس والمحسوس وثانياً : بعد العلم بأنها أمثال : يعلم بذلك المقدار الذي يجب طرحه من الخصوصيات المكتنفة بالكلام ، وما يجب حفظه منها للحصول على المرام ، وإنما يحصل ذلك بأن هذا يتضمن نفي بعض الخصوصيات الموجودة في ذلك وذاك نفي بعض ما في هذا .
وإيضاح المقاصد المبهمة والمطالب الدقيقة بإيراد القصص المتعددة والأمثال والأمثلة الكثيرة المتنوعة أمر دائر في جميع الألسنة واللغات من غير اختصاص بقوم دون قوم ، ولغة دون لغة ، وليس ذلك إلا لأن الإنسان يشعر بقريحة البيان مساس حاجته الى نفي الخصوصيات الموهمة لخلاف المراد في القصة الواحدة أو المثل الواحد بالخصوصيات النافية الموجودة في قصة اخرى مناسبة أو مثل آخر مناسب .
فقد تبين أن من الواجب أن يشتمل القرآن الكريم على الآيات المتشابهة ، وأن يرفع التشابه الواقع في آية بالإحكام الواقع في آية اخرى ، واندفع بذلك الإشكال باشتمال القرآن على المتشابهات لكونها مخلة لغرض الهداية والبيان .
وقد ظهر من جميع ما تقدم من الأبحاث على طولها امور :
الأول : أن الآيات القرآنية تنقسم الى قسمين : محكم ومتشابه ، وذلك من جهة اشتمال الآية وحدها على مدلول متشابه وعدم اشتمالها .
الثاني
: أن لجميع القرآن محكمه ومتشابهه تأويلاً
. وأن التأويل ليس من قبيل