الفرد المردد يستحيل ثبوته وتحققه لا في الخارج ولا في الذهن إذ يستلزم التناقض ، إذ لو كان ثابتا بنحو يحمل عليه أحد العنوانين فقط فهذا معين لا مردد وإن كان بنحو يحمل عليه كل من العنوانين فمعناه انه يصح حمل كل من العنوانين عليه وسلبه عنه وهذا تناقض مستحيل (١).
وهذا بيان في غاية المتانة والجودة بل هو أولى مما قيل في دفع تصوير الفرد المردد المصداقي من ان الوجود مساوق مع التعين والتشخص فيستحيل وجود الفرد المردد مصداقا ، فان هذا البيان موقوف على ملاحظة فلسفة الوجود وفهم حقيقته ليرى هل يعقل فيه التردد أم لا؟
النظرية الخامسة ـ أن يكون الواجب التخييري بمعنى إيجاب الجامع بين العدلين أو البدائل ، إما الجامع الحقيقي بناء على قانون ان الواحد حتى النوعيّ لا يصدر إلا من واحد وتطبيقه على ملاك كل من العدلين والكشف عن ان المؤثر والمطلوب في كل منهما انما هو الجامع الذاتي بينهما ـ كما أفاده صاحب الكفاية ـ وبذلك ادعى ضرورة وجود الجامع الحقيقي بين العدلين.
وإما الجامع الانتزاعي أي عنوان أحدهما الّذي يصدق حتى على ما لا جامع ذاتي بينهما بل يكون من قبيل النقيضين كما في التخيير بين القصر والتمام الّذي يرجع روحا إلى التخيير بين الإتيان بالركعتين وعدمهما. وبناء على كلا هذين التقديرين يرجع التخيير الشرعي إلى العقلي أي إلى إيجاب الجامع.
وهكذا يتضح ان تصوير الواجب التخييري لا ينحصر في صيغة وفرضية واحدة بل يمكن أن تكون بنحو الوجوبين التعيينيين المشروطين كما إذا كان هناك ملاكان تعينيان متضادان ، أو بنحو وجوب واحد متعلق بالجامع الحقيقي أو الانتزاعي بين الفعلين فيما إذا كان هناك ملاك واحد يحصل بكل منهما.
وهناك أثر عملي لاختلاف صياغة الواجب التخييري يظهر في موارد الشك والدوران بين أن يكون الفعل الواجب تخييريا أو تعيينيا ، كما لو شك في ان صوم شهرين في
__________________
(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٥٥.