المؤدى بالدين الآخر من غير تراض مع الراهن بلا خلاف ولا إشكال ، وكذا لو كان له دينان ، وبأحدهما رهن ، لم يجز له أن يجعله رهنا بهما من غير تراض معه أيضا ولا أن ينقله إلى دين مستأنف أما مع الرضا منه فيجوز قطعا ، كما تقدم تحقيق ذلك كله ، وجميع ما يتعلق به في آخر الفصل الثالث فلاحظ وتأمل والله أعلم.
وإذ أرهن مال غيره بإذنه صح بلا خلاف فيه ، بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه عندنا ، بل وغيرنا عدا ما حكي عن ابن شريح من القول على تقدير كونه عارية لا يصح رهنه ، لأنها غير لازمة ، ولعله غير مخالف في أصل الحكم ، ومن هنا حكى في التذكرة عن ابن المنذر أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئا يرهنه ، على دنانير عند رجل إلى وقت معلوم ففعل كان ذلك جائزا وفي المسالك « أجمع العلماء على جواز رهن مال الغير باذنه على دينه في الجملة ، وسموه استعارة ».
نعم في التذكرة « هل يكون سبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان؟ الحق عندنا الأول » ولعله مشعر بالإجماع ، كالمحكي من نسبة ولده ذلك إليه ، وإلى المحققين.
لكن عن المبسوط أنه حكي فيه قولا بأنه على سبيل الضمان المعلق بالمال ، والمعروف حكاية ذلك عن أصح قولي الشافعي ، كالمحكي عن بعض الشافعية من أنه بين الراهن والمرتهن رهن ، وبين المعير والمستعير عارية ، وبين المعير والمرتهن ضمان ولا ريب في ضعف الجميع ، بل في بطلانه حتى على ما وجهه به في الدروس ، من أن المعير أناب المستعير في الضمان عنه ، ومصرفه في هذا المال ، إذ هو غير مجد في مخالفته للمعهود من الضمان الذي هو الانتقال من ذمة إلى ذمة ، وهو مفقود هنا قطعا ، وكيف يكون ضمانا ولم يقصده الراهن ، ولا المرتهن ، مع أنه لو صرح المالك وقال للديان لزمت دينك في رقبة هذا المال على وجه لا تكون ذمته مشغولة له لم يكن صحيحا وبالجملة لا ينبغي إتعاب النظر في فساد ذلك.