ابن عباس ! فقال ابن عباس : لقد كانت أيامك قصيرة المدة ظاهرة الشؤم بيّنة النكد ، وما كنت في أيامك إلا كقدر حلب شاة حتى صرت ما تأخذين وما تعطين ولا تأمرين ولا تنهين ، وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد :
ما زال إهداء القصائد بيننا |
|
شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تركت كأن قولك عندهم |
|
في كل محتفل طنين ذباب |
قال : فبكت عائشة بكاءً شديداً ، ثم قالت : نعم والله أرحل عنكم فما خلق الله بلداً هو أبغض إلي من بلد أنتم به يا بني هاشم . فقال ابن عباس : ولمَ ذلك ؟ فوالله ما هذا بلاؤنا عندك يا بنت أبي بكر ! فقالت عائشة : وما بلاؤكم عندي يا بن عباس ؟ فقال : بلاؤنا عندك أننا جعلناك أم المؤمنين وأنت بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صديقاً وهو ابن أبي قحافة ، وبنا سميت أم المؤمنين لا بتيم وعدي . فقالت عائشة : يا ابن عباس ! أتمنون علي برسول الله ( ص ) ؟ فقال : ولم لا نمن عليك برسول الله ( ص ) ولو كانت فيك شعرة منه أو ظفر لمننت علينا وعلى جميع العالمين بذلك ! بعد فإنما كنت تسع أحدى حشايا من حشاياه لست بأحسنهن وجهاً ولا بأكرمهن حسباً ، ولا بأرشحهن عرقاً ، وأنت الآن تريدين أن تقولي ولا تُعصين ، وتأمري ولا تخالفين ، ونحن لحم الرسول ( ص ) ودمه وفينا ميراثه وعلمه ، فقالت عائشة : يا ابن عباس ما باذل لك علي بن أبي طالب ؟ فقال ابن عباس : والله أقر له ، وهو أحق به مني وأولى ، لأنه أخوه وابن عمه ، وزوج الطاهرة إبنته وأبو سبطيه ، ومدينة علمه وكشاف الكرب عن وجهه ، وأما أنت ، فلا والله ما شكرت نعماءنا عليك وعلى أبيك من قبلك !
ثم خرج وسار إلى علي فأخبره بما جرى بينه وبينها من الكلام .
فدعا علي ببغلة رسول الله ( ص ) ،
فاستوى عليها ، وأقبل إلى منزل عائشة ثم استأذن ودخل ، فإذا عائشة جالسة وحولها نسوة من نساء أهل البصرة