وفي صبيحة اليوم التالي نهض الأشعث بن قيس في اثني عشر ألف ، وتبعه الأشتر بخيله ورجاله ثم كبّر الأشعث وكبّر الأشتر ، ثم حملا ، فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام ، وكان قد قتل من أصحاب معاوية أبطال لا يستهان بهم ، وغلب أصحاب علي على الماء .
وقال عمرو بن العاص لمعاوية : ما ظنّك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس ، أتُرَاكَ تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ، وما أغنى أن تكشف لهم السْوءَة ؟
فقال : دع عنك ما مضى منه . ما ظنك بعلي ؟ قال : ظني به أنه لا يستَحلُّ منك ما استحلَلْتَ منه ، وأن الذي جاء له غير الماء . فقال له معاوية قولاً أغضبه . فردّ عليه ابن العاص شعراً ، جاء فيه :
أمرتك أمراً فسخفته |
|
وخالفني ابن أبي سَرَحَه |
فكيف رأيت كباش العراق |
|
ألم ينطحوا جمعنا نطَحَة |
فإن ينطحونا غداً مثلها |
|
نكن كالزبيري أو طلحَة |
وقد شرب القوم ماء الفرات |
|
وقلّدك الأشتر الفضحة (١) |
وحين غلب علي أهل الشام وطردهم عن الماء بعث إلى معاوية : « إنا لا نكافيك بصنعك ، هلّم إلى الماء فنحن وأنتم فيه سواء » . فأخذ كل واحد من الفريقين بالشريعة التي تليه . وقال علي ( ع ) يومذاك لأصحابه : أيها الناس ، إن الخطب أعظم من منع الماء (٢) .
عدد الجيشين
واختلف في عدد الجيشين ، والمتفق عليه ـ كما يقول المسعودي ـ أن عدة جيش علي ( ع ) تسعون ألفاً ، وأن عدة جيش معاوية خمسة وثمانون
__________________
(١) الأبيات وما قبلها في صفين ـ ١٨٦ .
(٢) صفين ـ ١٩٣ .