مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ والله لوددت أن جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا ـ مفارقاً للذي نحن عليه كانوا خلقاً واحداً فقطعته وذبحته ! والله لدماؤهم جميعاً أحلُّ من دم عصفور ؛ أفترى دم عصفور حراماً ؟ قال : لا ، بل حلالٌ . قال : فإنهم حلال كذلك ، أتراني بينت لك ؟ قال : قد بيّنت لي ، قال : فاختر أي ذلك أحببت !؟
فانصرف الرجل ، فدعاه عمار ثم قال : أما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا ، لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا ، والله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر (١) ، لعرفتُ أنا على حق وهم على باطل ، وأيم الله لا يكون سلماً سالماً أبداً حتى يبوء أحد الفريقين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين ، وحتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنه على الحق وأن قتلاهم في الجنة وموتاهم ، ولا تنصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم وقتلاهم في الجنة ، وأن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار ، وكان أحياؤهم على الباطل .
ودفع علي ( ع ) الراية إلى هاشم بن عتبة المعروف بالمرقال ، وقال له رجل من أصحابه من بكر بن وائل ، أقدم هاشم ، يكررها ثلاثاً . ثم قال : ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك ؟! أعوراً وجبناً !! قال : من هذا ؟ قالوا : فلان قال : أهلها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ، ثم قال لأصحابه : شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم ، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثاً فاعلموا أن أحداً منكم لا يسبقني إلى الحملة ، ثم نظر إلى معسكر معاوية فرأى جمعاً عظيماً . فقال : من أولئك ؟ قيل : أصحاب ذي الكلاع ؟ ثم نظر فرأى جنداً ، فقال : من أولئك ؟ قيل : قريش وقوم من أهل المدينة ؟ فقال : قَوْمِي لا حاجة لي في قتالهم ، من عند هذه القبة البيضاء ؟ قيل : معاوية وجنده . قال : فإني أرى دونهم أسودة ، قيل ذاك عمرو بن العاص
__________________
(١) هجر ـ نواحي البحرين .