وضربت أخانا حتى أشفيتَ به على التَلف ، أما والله لئن ماتَ لأقتلن به رجلاً من بني أميّة عظيم السرّة .
فقال عثمان : وإنك لههنا يا بن القسريّة ؟ قال : فإنهما قسريتان . وكانت أمّهُ وجدّته قسريّتين من بَجيلة .
فشتمه عثمان وأمرَ به فأُخرج . فأتىٰ أم سلمة فإذا هي قد غضبت لعمّار .
وبلغ عائشةَ ما صُنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله ( ص ) وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ، ثم قالت : ما أسرَعَ ما تركتم سنّة نبيكمْ ، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يُبلَ بعد .
فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درىٰ ما يقول ، فالتجَّ المسجد ، وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله !!
وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان لعزله إياه عن مِصر وتوليته إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فجعل يكثر التعجب والتسبيح .
وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أم سلمة وغضبها لعمار ، فأرسل إليها : ما هذا الجمع ؟ فأرسلتْ إليه : دع ذا عنك يا عثمان ولا تحملِ الناس في أمرك على ما يكرهون . واستقبحَ الناسُ فعله بعمّار ، وشاع فيهم فاشتد إنكارهم له (١) .
وأظن أن هذه الحادثة أنموذج كافٍ في الدلالة على خروج السلطة من إطارها الذي أراده الله سبحانه ، وألِفه المسلمون بعد وفاة الرسول الأعظم ( ص ) إلى إطارٍ آخر ترسمه ثلة من المستفيدين الطامحين للملك ، سيما إذا أخذنا بعين الإِعتبار ما ورد في نصوص المؤرخين : من أن الغالبَ على عثمان آنذاك ، مروانُ بن الحكم وأبو سفيان بن حرب .
__________________
(١) الغدير ٩ / ١٥ وقد ورد هذا الخبر بعدة طرق وبألفاظ ثانية والمضمون واحد .