ولا يكون هِمّةُ أحدهم إلا في نفسه ، وما هو فيه من دُبُرِ دابته وقُمَّلِ فروته . . » (١) .
« سياسته التأديبية »
كانت في الواقع سياسةً انتقاميةً وليست تأديبيةً ، اعتمدها الخليفة في سيرته مع معارضيه الذين كانوا يرفعون أصواتهم في وجهه أزاء ما يرونه خارجاً عن حدود الشريعة الإِسلامية والسُنَّة النبوية الشريفة ، بل وسيرةِ الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وقد مرَّ معنا ما لقيهُ عمار بن ياسر وما عاناه ابن مسعود من كسر ضلعه ومن بعدهما نفي أبي ذر إلى الربذة وموته هناك . ولا ننسى أن هذا النمط من الصحابة يُعدُّ من زعمائهم وعظمائهم الذين يتسنىٰ لهم أن يقولوا ويعترضوا ومع ذلك عُوقبوا بهذه الطريقة الموجعة والمزرية من العقاب .
وتخطىٰ الأمر المدينة ـ دار الخلافة ـ ليشمل الكوفة ، فقد حصلت مشادةٌ كلامية بين سعيد بن العاص والي الكوفة وبين بعض زعمائها كمالك الأشتر وصعصعة بن صوحان ، حين قال سعيد كلمته المعروفة « إنما هذا السواد بستان قريش » . انتهت بتسيير هؤلاء « نفيهم » إلى الشام ، ثم إلى حمص واضطهادهم وترويعهم ، وإليك القصة مفصلةً :
حين ولي سعيد الكوفة استخلص من أهلها قوماً يسمرون عنده ، فقال سعيد يوماً : إن السواد ـ أي الأرض الخضراء بما فيها ـ بستان لقريش وبني أمية .
فقال الأشتر النخعي : وتزعم أن السواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك ولقومك ؟
فقال صاحب شرطته : أترد على الأمير مقالته !؟ واغلظ له : فقال
__________________
(١) ـ المصدر السابق / ١٥٠ .